بقلم : أسامة غريب
يفزعنا على نحو خطير أن نسمع أو نقرأ عن نوايا لتقسيم سوريا إلى عدة دويلات ونوايا لتقسيم العراق كذلك، بالإضافة إلى بضع دول عربية أخرى تثور بشأنها من وقت لآخر تكهنات عن هشاشتها المجتمعية وقابليتها للتقسيم. قد يدهشكم أننى لا أستشعر الخطورة فى نوايا التقسيم، بل إننى أحيانًا أجد الأمر داعيًا إلى الاستقرار وعدم التنافر وإلى عيش الناس فى هدوء بعيدًا عن الصراع والرغبة فى الغلبة والتفوق وانتزاع المزايا. على سبيل المثال هل لبنان الموحد كان داعمًا للمقاومة التى صمدت فى وجه إسرائيل وبادلت الاحتلال النار بالنار، أم أن جانبًا من الدولة والشعب كان مع إسرائيل قلبًا وقالبًا ضد الجانب المقاوم من الشعب اللبنانى؟.
لو أن أهل الجنوب وأهل الضاحية كانت لهم دولتهم- مهما صغرت- لما تعرضوا للخيانة والطعن من جانب من يُعتبرون أشقاء وهم ألعن من الأعداء!. أما بالنسبة لسوريا ومن يخشون عليها من التقسيم فلعله يحق لنا أن نسأل الذين يرتعدون من النوايا التركية الصريحة بضم حلب والشمال السورى إلى الدولة التركية.. نسألهم: هل يا ترى يفضل المواطن الحلبى أن ينتمى إلى تركيا القوية الواقفة على قدميها وتوفر لأبنائها لقمة العيش والخدمات، أم تهزمه شعارات العروبة التى طحنته وعذبته وألقت بأقاربه فى السجون والمنافى بعد أن جردته من الكرامة واللقمة؟. وقد يجوز أن نسأل عن أهل منطقة هاتاى أو لواء الإسكندرونة الذى علمونا فى المدارس أنه أرض سورية اقتطعتها تركيا.. هل خرج هؤلاء الناس فى مظاهرات تطالب بالعودة إلى حضن الوطن السورى، أم أنهم فضلوا الحياة فى ظل دولة أحسن حالًا من سوريا على كل الأصعدة؟. وهنا قد يثور تساؤل: وهل يستغنى الناس عن الوطن إذا وجدوا مكانًا أفضل منه؟. والإجابة طبعًا هى نعم، إلا إذا كنا ننوى تمثيل فيلم هندى يخالف الواقع وينتصر للشعارات الموجودة فى الكتب على حساب حياة البشر وتطلعاتهم.
الأمر نفسه بالنسبة للدروز فى الجنوب السورى الذين خرجت من بينهم مظاهرات تستحث الجنود الإسرائيليين على الدخول وتطالب بالانضمام إلى إسرائيل!. من السهل اتهامهم بالخيانة والتفريط، لكن من الصعب أن نفهم ماذا فعل بهم الحكام الوطنيون وكيف جعلوهم يكفرون بالوطن. وقد يجوز أن نضرب مثلًا آخر من المغرب العربى حيث مدينتا سبتة ومليلية المغربيتان الواقعتان تحت الاحتلال الإسبانى.. هل يسعى السكان هناك إلى التحرر من الاستعمار الإسبانى اللعين والعودة إلى حضن الوطن؟. واهمٌ من يتصور الأمر على هذا النحو؛ لأن السكان هناك سعداء بانتسابهم إلى الاتحاد الأوروبى وحملهم جواز سفر إسبانيًّا يفتح لهم سبل العيش فى أوروبا والتمتع بالسفر إلى كل مكان دون تأشيرات. أما بالنسبة للحق فى استرداد الأراضى من الاحتلال فنحن لا نجادل فيه، وإنما نتحدث عن الناس العاديين الذين يريدون الحياة الطبيعية دون أن يكونوا وقودًا لأحلام الطغاة الذين يكثرون من الحديث عن الوطن وحدود الوطن وحقوق الوطن؛ دون أن يفهموا أن الوطن هو المواطن!.