بقلم:أسامة غريب
المشكلة التى تواجهها روسيا حاليًا تشبه إلى حد كبير المشكلة التى تواجهها إيران. الدولتان تتعرضان للعدوان من جانب نفس الطرف الأمريكى.. وحتى لو كانت روسيا لا تتعرض لعدوان إسرائيلى، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل عبارة عن كيان واحد معتدٍ، وتل أبيب فى النهاية تحقق الأهداف الأمريكية فى الشرق الأوسط.
تتعرض موسكو وطهران لاستفزازات شديدة الوطأة تتعلق باجتياح خطوطها الحمراء بشكل سافر بغرض دفعها للرد. بالنسبة لإيران، فإن الغرض من اغتيال إسماعيل هنية كان أن تسارع إلى رد قوى يدفع واشنطن إلى الدخول فى حرب موسعة تستخدم فيها قوتها العسكرية بكثافة لتدمير كل ما شيدته إيران فى الأربعين سنة الماضية. قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا السيناريو من صنع بنيامين نتنياهو الذى يريد جرّ الأمريكان عنوة إلى ساحة الحرب.. لكنى أعتقد أن هذا خيار أمريكى أصيل قد لا تعطيه واشنطن أولوية، لكنه خيار طيب من الممكن تأجيله لظروف أنسب بعيدًا عن سنة الانتخابات.
أما بالنسبة لروسيا فإن الهجوم الأوكرانى على كورسك هو فى حقيقته هجوم أمريكى، ولا أحد يمكنه أن يصدق ما زعمه مسؤولو البيت الأبيض بأن واشنطن لم تكن تعلم شيئًا عنه.. التخطيط بالضرورة أمريكى، واختيار مكان الاختراق تم بالاستعانة بالأقمار الصناعية الأمريكية والسلاح المستخدم أمريكى. لا يوجد عنصر أوكرانى فى الموضوع سوى الضحايا من الجنود الذين ينفذون مشيئة أمريكية عن طريق الوسيط زيلينسكي!. الغرض الحقيقى من دهس هذا الخط الروسى الأحمر هو أن تعجز موسكو عن الرد التقليدى فتصاب بلوثة وتستخدم السلاح النووى. قد يثور هنا سؤال: هل تسعى الولايات المتحدة حقًا لدفع الروس لاستخدام السلاح النووى؟ ألا تخشى من خطر اندلاع حرب عالمية تصيب أمريكا نفسها بالدمار؟. أعتقد أن الإجابة أنه لا يوجد مثل هذا الخطر حتى إذا تهور الروس وفعلوها، ذلك أن الدمار الذى سيحدث سوف يقتصر على أوكرانيا وقد يتعداها إلى بعض أجزاء أوروبا، أما البر الأمريكى فسيظل سالمًا. لن ترد أمريكا نوويًا لكنها ستكون قد حولت روسيا إلى دولة مارقة منبوذة فاقدة التأييد حتى من جانب أقرب حلفائها، فضلًا عن شىء أهم من ذلك؛ هو أن الولايات المتحدة ستكون مطلقة اليد فى استعمال نفس السلاح فى مناطق أخرى من العالم أسوة بالجريمة الروسية المفترضة. هم لن يقصفوا موسكو بالنووى لكنهم قد يقصفون أهدافًا فى بلدان لا تستطيع أن ترد بالمثل، فيقضون على البرنامج النووى الإيرانى مثلًا، أو قد يسمحون لإسرائيل بأن تفعلها فى غزة كما هدد بعض وزراء إسرائيل، وذلك بعد أن تزول الحرمة التى فرضتها كارثة هيروشيما وناجازاكى والتى استمرت حوالى ثمانين عامًا.
الشر الممزوج بالجسارة هو ما يطبع الأهداف العدوانية لواشنطن وتل أبيب، وهو شر منفلت يتجاوز الخطوط الحمراء بسهولة، تاركًا للخصوم التفكير العميق والحسابات الموسعة، مع العمل من خلال الدبلوماسية النشطة على تبريد ردود الأفعال أو منعها تمامًا. روسيا وإيران تفهمان هذا جيدًا، ولذلك تطول حيرتهما!.