بقلم : أسامة غريب
من الملاحظ أن معظم اللاعبين فى المنطقة أصبحوا يلعبون لصالح إسرائيل ويحصدون لها دون أن تطلب نقاطًا تقويها وتزيدها حصانة. وحتى الدول البعيدة عن خطوط التماسّ، والتى ليست لها حدود مع إسرائيل، أصبحت تبالغ بإظهار الود والغرام للصهاينة بظن أن هذا أحد ضمانات البقاء فى السلطة!.. وقد انتقل هذا إلى المواطن العادى، الذى كان يفزع من ذكر اسم إسرائيل ولا يرتاح قبل أن يسب ويلعن قادتها ويستعيذ بالله منهم، فأصبح يلتمس لإسرائيل الأعذار، بينما هى تحصد أرواح الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والسوريين كل يوم!. ولعل إحساس المواطن العربى بأن بلاده لم تعد تحمل لإسرائيل عداء كما فى السابق قد أسهم فى أن الناس فى بلادنا أصبحت تنقسم إزاء إسرائيل إلى أربعة أنواع: نوع ينظر لها كدولة عادية يحق له أن يحبها ويتعاون معها لو وافق ذلك مصالحه، وهؤلاء غالبًا رجال أعمال وإعلاميون. إلى جانب هؤلاء يوجد نوع ثانٍ يمكن تسميته الكتلة التافهة، وهى تتألف من المواطنين الذين يشعرون بالأمان فى تبنيهم المواقف الرسمية، وهؤلاء لا يريدون الابتعاد عن هذه المواقف، حتى لو تناقضت مع مكوناتهم أو حتى مع معتقداتهم الدينية.. المهم أن يكون ما يؤمنون به مطابقًا للموقف الرسمى، وبما أن الأيام الدّوّارة قد أبطأت دورانها عند مرحلة إسرائيل الحلوة، وجعلت منها صديقًا موثوقًا به، فى حين جعلت كل مَن يقاومها يُصنّف إرهابيًّا ويدخل فى خانة الأعداء، فإن المواطن التافه أصبح يرى إسرائيل دولة جارة تحمل قيم الديمقراطية وتشبه الغرب المتحضر!.
من الممكن طبعًا أن يتغير هذا كله إذا غيرت السلطة موقفها فى أى وقت، لكن ما دام الإعلام العربى فى معظمه مازال يتبنى هذه النظرة فلا بد أننا كنا نظلم إسرائيل فى السابق، وقد يليق أن يتم عمل ائتلاف سياسى عربى من بعض أعضاء هذه الكتلة يحمل اسم: إحنا آسفين يا إسرائيل!. أما النوع الثالث فيمكن تسميته الكتلة المرعوبة أو المقموعة، وأفرادها يعرفون جيدًا أن إسرائيل دولة إرهابية يحكمها مجرم مطلوب لـ«الجنائية الدولية»، وهى لا تتورع عن تخريب أوطاننا مهما وقّعنا معها من معاهدات.. هؤلاء الناس رغم معرفتهم بكل هذا، فإنهم يرددون كلام الفضائيات المؤيدة للعدو، فيتحدثون بالخير عن أولاد العم، كما لا يفوتهم التنديد بكل مَن يعادى إسرائيل أو يرمى عليها حجرًا. والحقيقة أن هذا الموقف لا يعود إلى تفاهة صاحبه أو إلى غسل دماغه، وإنما هو نتيجة حالة من العدمية والاستسلام بعد عمر قضاه هذا المرعوب كارهًا لدولة الاحتلال، غير أنه بعد أن شاهد المتغيرات وأبصر الثوار فى سوريا وغيرها يتجاهلون احتلال إسرائيل لمزيد من أراضيهم، فإنه أصبح فى رعب من أن يعلم أحد أنه يكره إسرائيل خشية أن يتم اتهامه بالإرهاب، ويمكن تسمية هذه الحالة بالاستسلام الاستباقى. أما النوع الرابع الذى يعلم حقيقة العدو ويواجهه، فأفراده مدفونون فى أغوار سحيقة، بعد أن قصفتهم قنابل الأعماق، أو ملقون فى العراء تقتات الكلاب الضالة على جثثهم!.