بقلم : أسامة غريب
هل النصائح مفيدة؟ هل يوجد ناصح أمين؟ هل يحمل تاريخ الشعوب والأفراد نماذج لدول أو لأشخاص قُدمت لهم النصيحة واستمعوا إليها ففازوا ونجوا؟.
إن النفس الإنسانية تنفر بالفطرة من النصح وتعدّه محاولة لاقتحام ما هو خاص وشخصى. وإذا كان لتاريخ العالم أوجه كثيرة، فأحد هذه الأوجه هو السعى الحثيث لمقاومة النصح فى وجه من يقوم بإسدائه. وقد كان للناصحين أساليب وتكتيكات عديدة منها استحضار أمثلة شعبية واختلاق أحاديث نبوية ورواية أشعار وترديد مقولات على غرار الدين النصيحة وغيرها. أى أنهم يستدعون الدين من أجل تمرير نصائحهم وحمل الناس على الاستماع إليهم والانصياع لما يريدون. ولعل من بين الناصحين قلة من الأمناء الذين يريدون صالح الشخص، لكن الأغلبية يمكن بسهولة أن نضعها فى خانة غير الأمناء.
والنصيحة فى إحدى صورها هى وسيلة فعالة لأن يعالج الشخص المعقد نفسه على حساب شخص مأزوم!.. أسهل شىء أن تلفت نظر أحد الناس إلى عيب فى طريقة نطقه أو إلى عوار فى ملابسه واختيار ألوانها أو إلى وجوب أن يأخذ موقفًا حازمًا من فتاته التى رآها تقف فى البلكونة أو أن تعطيه درسًا فى أهمية المذاكرة وسوء مصير من يهمل فيها. ونلاحظ هنا أن النصيحة تحمل انتقادًا يضع من يتعرض لها فى موقف الدفاع، وبالتالى عليه أن يفعل ما نقول وإلا كان عرضة لأن نطلق فيه ألسنتنا بعد أن نصحناه فأصر على التمادى فى فعل الخطأ أو قبوله والتغاضى عنه. الناصح يضع نفسه فى مكان أعلى ويطل عليك من فوق ويتكرم فيحدثك عن صالحك وكأنه يبغى هذا الصالح فعلًا!.
لا أحد ينصحك بصدق سوى أمك وأبيك. أى أحد آخر حتى ولو كان يهتم بك فإن نصيحته تحمل قدرًا من الاستعلاء وتنزل بك إلى درجة مَن لا يعرف مصلحة نفسه ويحتاج إلى كفيل يأخذ بيده وسط زحام الحياة خشية الضياع. من ينصحك بالصلاة لا يريد لك أن تدخل الجنة، لكنه يبغى أن يتفرج عليك وأنت تتلعثم وتبرر وتسوق الأعذار، ومن ثم يزيد فى تنمره ويرفع حرارة الدرس فى الأخلاق الذى يقدمه لك. هذا الموقف الذى يضعك فيه يمنحه سعادة ويسبب له نشوة وهو لن يفرح لو رآك تصلى لأنك ستحرمه من مزيد من جلسات العلاج النفسى التى يداوى نفسه المعقدة الفاسدة بها على حسابك!.
الشخص المحترم هو الذى يكون أمينًا فيغريك بالأمانة دون كلام ويكون صادقًا فيحبب إليك الصدق دون نصائح ويكون نظيفًا فتقلده سعيدًا وراضيًا دون أن يوبخك وينغص عليك عيشتك. الشخص الناجح السوى المتوازن لا ينصح أحدًا فى العادة لأنه يدرك أنها صنعة الفاشلين، ولأنه يحب الناس ولا يريد أن يؤلمهم، وكذلك لأنه يعلم أنك عندما تنصح أحدًا بما لا يقدر عليه فأنت تهينه وتجرحه وتضعه فى حرج بالغ أمام نفسه.
هل تريد نصيحة منى؟. لا تستمع لنصائح أحد، وحتى هذه النصيحة عليك بمخالفتها!.