بقلم : أسامة غريب
هل كان الرؤساء الذين حكموا أمريكا قبل دونالد ترامب مغفلين أو مفرطين فى حقوق وطنهم عندما سمحوا لأنفسهم بأن يرسلوا جنودًا ويقيموا قواعد عسكرية فى بلدان أجنبية، ثم يزودوا هذه البلدان بالأسلحة والدعم السياسى طوال السنوات التى أعقبت الحرب العالمية الثانية؟.
يحاول ترامب فى أحاديثه وخطبه الشعبوية أن يؤكد على هذا الأمر ويسعى لإقناع جمهور الأمريكيين بأن رئيسًا قبله لم يفكر أبدًا فى تحصيل الفاتورة واقتضاء الثمن من البلدان التى تسبغ عليها الولايات المتحدة الحماية.
فى تصورى أن ترامب –الكذاب بطبعه- لا يكذب فى هذه النقطة بالتحديد، فرؤيته القاصرة للعالم والنظر إلى الأمور بمنظور الصفقة تجعله يعتقد حقًا أن بلاده كانت متطوعة ومضحية وهى تقود العالم الغربى ودول الشرق الأوسط بالمجان!. لا يفهم الرجل أنه بمساعدة بلاده لألمانيا ولليابان وكوريا كانت أمريكا تحاصر النفوذ السوفيتى وتمنع تسلل الشيوعية إلى هذه البلاد، وهو مكسب لا يقدر بثمن.
لا يفهم كذلك أن المظلة الأمريكية فوق بعض الدول العربية مدفوعة الأجر منذ اليوم الأول، فمئات الشركات وعشرات الآلاف من الخبراء والموظفين يتواجدون هناك منذ حقب طويلة.
وفى الحقيقة فإن أمريكا هى التى تستخرج البترول وتقوم بتسعيره، وتأخذ منه ما يلزمها ثم تبيع الباقى، وفى النهاية تستقر الفوائض المالية العربية فى البنوك الأمريكية.. فهل هذا سلوك دولة مظلومة أو مضحية؟ السلع الأمريكية كذلك لها الأفضلية بتلك الأسواق وأسعارها تفوق مثيلاتها على الدوام. لا يعلم ترامب أو لعله يعلم أن بلاده منعت لفترة طويلة إنشاء خطوط للسكك الحديدية فى بعض البلدان لصالح تصريف إنتاج المصانع الأمريكية من السيارات.
كل هذا ونحن لم نتحدث بعد عن صفقات السلاح التى لم يتوقف توريدها يومًا طوال الحقب الماضية والتى تستنزف آلاف المليارات. أمريكا تختلف عن الاتحاد السوفيتى السابق الذى كان يمد نفوذه فى البلدان الفقيرة مقتطعًا من قوت المواطن، وهو الأمر الذى عجّل بانهيار الإمبراطورية السوفيتية. أما أمريكا فإنها تغرز أنيابها فى لحم الدول التى تتحالف معها أو تحميها من قبل مجىء ترامب.
هذا الرجل قادر على نشر الذعر فى العالم وإحداث الفوضى، ومع ذلك فهو ليس القضاء والقدر وهناك من الدول من تحدّت مشيئته وهزأت بأحلامه دون أن يلحق بها الدمار، ومع ذلك فالتوجس من تصريحاته الأخيرة بشأن غزة له ما يبرره، فترامب بكل أسف رجل يفى بوعوده، ومعظم هذه الوعود على حساب الحقوق العربية. لقد وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ونفذ وعده.
وتعهد بالاعتراف بالجولان ضمن حدود إسرائيل ونفذ وعده. كما أقسم على إلغاء الاتفاق النووى مع إيران وألغى الاتفاق. وكذلك تعهد لناخبيه بأن ينزح من المال العربى قدر ما يشاء، وقد نجح فى ولايته الأولى فى الحصول على ما أراد. أمران فقط لم ينفذهما بعد: الأمر الأول هو صفقة القرن التى يتم بمقتضاها الإجهاز على القضية الفلسطينية، والثانى هو الاستيلاء على بترول العراق بالكامل، وإبطال هذين الوعدين أمره فى يدنا.