بقلم : أسامة غريب
فى ختام لقائه مع ترامب ألقى رئيس الوزراء البريطانى، كير ستارمر، كلمة أعرب فيها عن رغبته فى الترحيب بالرئيس الأمريكى فى بلاده. أبدى ترامب إعجابه باللغة التى تحدث بها ضيفه وأثنى على لكنته فى نطق الإنجليزية وقال له ممازحا: لو أننى كنت أمتلك هذه اللكنة الجميلة لكنت رئيسًا للولايات المتحدة منذ ٢٠ عامًا. فى ظنى أن ترامب لم يقل هذه الكلمات على سبيل المجاملة فقط، لكنه أعجب فعلًا بطريقة نطق الضيف وحُسن اختياره للكلمات والتنغيم فى الإلقاء بما يدل على ثقافة رفيعة.
وأعتقد أن من كان زلنطحيًا خشنًا كالرئيس الأمريكى يميل إلى تقدير مَن يفوقونه ثقافة، خصوصًا لو كان من الحلفاء، والحقيقة أن المقارنة بين الرجلين لا تجوز، فهذا سيد بريطانى متعلم أنجز دراساته العليا فى القانون من جامعة أوكسفورد وعمل محامياً بشكل حصرى فى قضايا حقوق الإنسان قبل أن يخوض غمار العمل العام ويتقدم به حتى يصبح رئيسًا لحزب العمال البريطانى.
أما ذاك فهو ملياردير مدلل نصيبه من الثقافة متواضع للغاية وهو أقرب فى تكوينه النفسى إلى بلطجى، وعندما تسمعه يتحدث يمكنك أن تدرك على الفور- إذا كنت تجيد الإنجليزية- أنه شديد الضحالة ولا يملك قدرة كبيرة بالنسبة للتعبير اللغوى، فتراه يعيد تكرار جمل بعينها هى فى الغالب خالية من المعنى، وقد كان هذا واضحاً للغاية فى محادثته العلنية مع زيلينسكى، وهو فى هذا لا يفترق عن أى مواطن جاهل ممن تحفل بهم ولايات الغرب الأوسط فى الولايات المتحدة. ويمكن القول إن زيلينسكى برغم عدم إجادته للإنجليزية إلا أن تعبيراته كانت أوضح وصياغته تضمنت كلاماً مفهوماً.
وعندى هنا ملحوظة هامشية هى أن الرئيس الأوكرانى ما كان عليه أن يدخل فى جدال مع ترامب ونائبه بلغة لا يحسن التعبير تماماً بها، وكان الأولى أن يتحدث بالأوكرانية ويترك المترجمين يقومون بشغلهم حتى لا يكون فريسة للوحوش المتنمرة فى البيت الأبيض التى لا تملك الثقافة، لكن لديها طلاقة فى لغة الشوارع. وعندى أن ترامب يحمل كراهية شخصية لزيلينسكى لعلمه أن الأخير يحب بايدن وكان يتمنى فوز هاريس، لذلك لا يتورع عن وصفه بالديكتاتور باعتباره يحكم دون انتخابات متذرعاً بالحرب.
عندما تم استدعاء زيلينسكى إلى البيت الأبيض كانت كل السيناريوهات تقود إلى إهانته وعودته خاسراً، فإذا خرس ووضع لسانه فى فمه وقام بالتوقيع على صفقة المعادن النادرة فقد سلّم ثروة بلاده للذئاب، وإذا تذاكى وحدثهم عن الضمانات الضرورية لإنهاء الحرب، مستغلاً اللقاء العلنى فى وجود الميديا الأمريكية، فإنه سيثير غضب ترامب ورفاقه فيطردونه مشيعاً باللعنات.
الخسارة مؤكدة فى كل الأحوال لأن ترامب على الرغم من أعوامه الثمانية وسبعين فإن له عقل طفل صغير شرير يفرح بالفوز على الجميع ويشعر بالرضا لو وزع إهاناته على من يعتبرهم الناس كباراً.. ومن هنا يتعين على قادة العالم أن يتجنبوا البيت الأبيض أو وكر الذئاب ويحاولوا تفادى اللقاءات التى لا توفر لهم الكرامة.. إذا كانوا يريدونها!.