بقلم : أسامة غريب
شاهدت على النت فيديو يتداوله الناس عبارة عن درس دينى لشخص ذو لحية، وضح من حديثه أنه شديد الاختلال النفسى والعقلى. يدور الدرس حول الإجابة على سؤال تلقاه من شخص مخبول مثله. يقول السؤال: ما حُكم البوفيه المفتوح؟. ظل حضرة الشيخ الجهبذ يصول ويجول فى إجابته وكانت الكلمات تخرج من فمه كأسياخ النار وهو ينتفض صارخا بأن البوفيه المفتوح حرامٌ حرام!.
قمت بإعادة الفيديو لأتأكد أن ما أشاهده حقيقى وليس أضغاث أحلام، وانتبهت إلى أن الرجل يؤكد فعلًا على حرمة تناول الطعام فى المطاعم التى تعمل بنظام الأوبن بوفيه فتقدم أصنافًا متنوعة من الطعام، وتضع سعرًا يدفعه الزبون مقابل أن يأكل ما يعجبه من أصناف الطعام. فى البداية لم أفهم ما الذى يجعل رجلا عاقلا يتساءل بخصوص البوفيه المفتوح وما إذا كان حلالًا أم حرامًا، خاصة والحديث كان عن بوفيه لا يتضمن تقديم الخمر أو لحم الخنزير!.
الأغرب أن سبب التحريم عند عم الشيخ هو أن الزبون يدفع سعرًا محددًا بصرف النظر عما يتناوله!.. وماذا فى هذا يا مولانا؟ يقول الرجل إن عدم تحديد ما يأكله كل فرد يجعل هناك نوع من الظلم بالنسبة للبعض، فليس من ينغمس فى تناول اللحوم والطيور ويغرف من الأطباق مثنى وثلاث ورباع كمن يكتفى بطبق صغير من السلاطة!. للأسف الشديد لم يجد الشيخ رجلًا رشيدًا من بين الحضور يقول له: وما شأنك أنت، ما دام من يأكل قليلًا ينصرف وهو سعيد ومن يأكل كثيرًا ينصرف وهو سعيد، وصاحب المطعم سعيد والجرسونات سعداء والطهاة سعداء.
ما دام لا يوجد متضرر واحد من الموضوع فماذا يغضبك يا رجل ولماذا تقحم نفسك فى موضوع ليس به شخص واحد مظلوم أو مجروح؟ لقد كان يمكن أن نتحدث عن ظالم ومظلوم لو أن تناول الطعام بمثل هذا المكان كان إجباريًا بالنسبة للجمهور، أو لو كانت المطاعم جميعًا قد تحولت إلى هذا النظام بما يُفقد الزبون الحق فى الاختيار.. لكن ما دام بإمكان الشخص الذى يريد سندوتش طعمية أن يحصل عليه من دكان الفول والطعمية بنقود قليلة، فما شأننا إذا أراد نفس الشخص أن يأكل سندوتش الطعمية فى بوفيه مفتوح ووافق راضيًا على أن يدفع خمسمائة جنيه مثلًا.. ما شأننا نحن، وما علاقة الدين بهذا الأمر؟
لقد أكد لى هذا الفيديو ما كنت أعلمه بالفعل من أن هناك من رجال الدين من يتعيشون على الهجايص، ولهذا فإنهم يرحبون بالأسئلة التافهة وأصحابها ويستخرجون من بطون الكتب القديمة ما يعتقدون أنه دلائل على التخاريف التى ينشرونها بين العباد. لقد قمت بتكذيب أحد الأصدقاء ذات يوم عندما أخبرنى بأن شيخًا شهيرًا يحرم الآيس كريم بدعوى أنه يصيب بعض الناس من ذوى الحساسية بالتهاب فى الحلق!.. كنت أعتقد أن صديقى يخترع الحكاية من أجل التشهير برجل الدين، لكنى الآن أصدقه بعد أن رأيت بنفسى رجلًا يحرّم البوفيه المفتوح وهو يجلس وسط أناس مختلين عقليًا يتلقون هراءه بسعادة بالغة!.