بقلم : أسامة غريب
قال الرئيس الأمريكى الآفل الذى يودع البيت الأبيض جو بايدن معلقًا على اتفاق وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلى: إن هذا الاتفاق ليس فقط نتيجة للضغوط الشديدة التى تعرضت لها حماس، والمعادلة الإقليمية المتغيرة بعد وقف إطلاق النار فى لبنان وإضعاف إيران فحسب، بل أيضًا نتيجة للجهود الدبلوماسية الأمريكية المثابرة والمضنية.
والحقيقة أنه لا يوجد ما هو أشد تدليسًا من هذا الكلام الصادر عن العجوز الخرف الذى يصافح الهواء ويداعب أطيافًا لا يراها أحد غيره، إذ إن هذا الاتفاق يأتى رغمًا عن بايدن، ورغمًا عن حليفه نتنياهو مجرم الحرب الهارب من العدالة الدولية، والفضل فيه يعود إلى ترامب وحده. لقد كان أمام بايدن خمسة عشر شهرًا كاملة قضاها فى مراوغات دبلوماسية بالتعاون مع وزير خارجيته الصهيونى بلينكن من أجل قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين وتدمير أكبر عدد من البيوت والمستشفيات والمخابز والمدارس ودور العبادة، والقضاء على كل ما يمكن أن يساعد الفلسطينيين على الحياة.
لم يَلزم ترامب لحمل نتنياهو على الانصياع للاتفاق أكثر من مندوب أرسله لرئيس الوزراء الإسرائيلى أمره بشكل صارم بوقف الحرب. ولعل الزهو الذى يبديه بايدن بالتوصل إلى اتفاق هو جزء من عالم الأوهام الذى يعيشه الرجل الذى رفض حزبه الديمقراطى أن يتركه يخوض الانتخابات الرئاسية ودفع بدلًا منه بنائبته التى شاركته سفك دماء الفلسطينيين.
لقد أكثر المحللون السياسيون العرب فى الفترة التى سبقت الانتخابات الأمريكية من التحذير من فوز ترامب، ودعوا الناخبين العرب لمنح أصواتهم لكامالا هاريس ممثلة الديمقراطيين؛ لأنها - على حد زعمهم- أقل سوءًا من ترامب الذى يعتبره الكثيرون من متعاطى السياسة إله الشر فى هذا الزمان. ترامب ليس شخصًا طيبًا أو رقيق القلب، لكن أثبتت الأيام أنه لأسباب كامنة فى عقل رجل الأعمال لا يحب الحرب ويفضل عليها الصفقات التى تنهى الحروب، وذلك على العكس من الوحوش الديمقراطيين الذين ستظل المذبحة الدموية التى تعرض لها الفلسطينيون معلقة فى رقابهم، وقد كانوا يستطيعون إنهاءها فى أسبوعها الأول لو أنهم كانوا جادين فى الوصول لاتفاق يعيد الأسرى الإسرائيليين.
لقد كان بايدن شريكًا فى الدم، ووضح أن هذه طريقته وطريقة حزبه فى تأمين المصالح الأمريكية، وما الحرب الروسية الأوكرانية إلا صورة من صور إدارة الديمقراطيين للسياسة الخارجية. وعلى الرغم من مساوئ ترامب العديدة، فلا أظنه كان مبالغًا حين قال إن حرب أوكرانيا لم تكن لتقع لو أنه كان فى الحكم. خمسة عشر شهرًا وذوو الأسرى الإسرائيين يناشدون بايدن ويتظاهرون أمام بيت نتنياهو بلا جدوى، وبدا للإسرائيليين أن ميل الرجلين للدمار وسفك الدماء لا يقتصر على الدماء الفلسطينية وحدها، وهما رغم صهيونيتهما الواضحة لم يحفلا حتى بالخراب الذى لحق بالمجتمع الإسرائيلى طوال الشهور الماضية.
لا يا سيد بايدن.. لا يحق لك الزهو بوقف إطلاق النار الذى تحقق، إذ إنه تحقق رغم أنفك وليس بفضلك!.