بقلم - أسامة غريب
فى أحد أيام صيف عام 1972 قطعت الإذاعة المصرية برامجها العادية بشكل مفاجئ لتعلن القرار الجمهورى الخاص بالعودة إلى استخدام اسم «مصر» مرة أخرى بدلًا من الجمهورية العربية المتحدة، وهو الاسم الذى بدأ استخدامه عقب الوحدة مع سوريا عام 1958.
بعدها مباشرة كتب الشاعر صلاح جاهين فى ملحمته الشعرية التى سماها «على اسم مصر» إضافة جديدة تتعلق بهذا الموضوع. أدرك جاهين بحس الشاعر الموهوب ووطنية المصرى الأصيل أن هذا القرار بالعودة إلى استخدام الاسم الذى تعرفه الدنيا منذ آلاف السنين هو تحصيل حاصل ولا يضيف أى جديد، فالناس لم تكف فى يوم من الأيام عن أن تقول مصر إشارة إلى مصر.
وهذا الكيان الجغرافى الممتد من البحر المتوسط شمالًا حتى جبال النوبة جنوبًا ومن البحر الأحمر وفلسطين شرقًا حتى واحة جغبوب غربًا والذى تعرفه الدنيا كلها باسم مصر لم يستمد اسمه من قرار جمهورى حتى يستعيده بقرار جمهورى.
كتب صلاح جاهين:
قطَعوا الأغانى وطارت نشرة الأخبار. دارت على كل دار فى الكوكب الدوار. يا حاضرين أعلموا الغايبين بأنه فى مصر، اتغير الاسم منذ الآن فأصبح مصر!. ضحك التاريخ ضحكته المشهور بها واندار. ودخل مناقشة مع الجغرافيا عما صار. هل نعترف بالبيان اللى أُذيع العصر، أم ننتظر مصر تطرد إسرائيل بالقسر. وساعتها تحصل بكل جدارة يوم النصر.. على اسم مصر؟.
لقد أدخل صلاح جاهين التاريخ طرفًا فى مناقشة مع الجغرافيا بشأن القرار الذى صدر.. يطرح التاريخ سؤاله المؤرق: هل بيان الحكومة فى حد ذاته كافٍ؟، أم أن استحقاق مصر لاسمها لا يكون إلا بشروط.. وهذه الشروط تُشكل ما يسمى دور مصر الحضارى، هذا الدور الذى يتجاوز محيطها الجغرافى، الذى إن مارسته مصر باقتدار فإنها تنفخ من روحها فى جسد الأمة بأكملها فتشرق شمسها على امتدادها العربى، هذا الدور هو المدخل الطبيعى إلى الريادة والسيادة.
هل نعترف بالبيان اللى أُذيع العصر، أم ننتظر مصر تطرد إسرائيل بالقسر؟. لقد كتب جاهين قصيدته فى ذروة حرب الاستنزاف، واليوم رغم عودة سيناء فإن التحدى لا يزال قائمًا، فمصر الحقيقية التى تستحق بجدارة اسم مصر هى القادرة على مواجهة التحدى الذى تفرضه إسرائيل.
هذا هو الكلام بدون تزويق أو نمنمة، مصر التى تتصدى لأطماع إسرائيل وتتبنى مشروعًا حضاريًّا تنمويًّا يواجه مشروعات إسرائيل العدوانية التوسعية هى الوطن الذى نعرفه ونحبه ونريده، وأنا هنا لا أتحدث عن الحرب ولا أسعى لأن نتورط فى دوامات الدم.
أتحدث عن التحدى الحضارى والاستجابة لدواعيه ومتطلباته، أما لو اكتفت مصر بالبيان «اللى أُذيع العصر» كبديل عن الفعل وبديل عن الإنتاج والعمل الجاد وإفساح المجال للقدرات القائمة وتنمية قدرات جديدة، فإن الحال سيسوء، ولسوف يظل سؤال صلاح جاهين معلقًا فى رقابنا إلى حين أن نعمل لنحصل بجدارة واستحقاق.. على اسم مصر.