البراح الإنساني

البراح الإنساني

البراح الإنساني

 العرب اليوم -

البراح الإنساني

بقلم - أسامة غريب

الحياة في المدن المزدحمة لا تمنح الإنسان سوى القلق والغثيان.. وقد فهم الحكماء أن هناك حيزًا يحتاجه الإنسان ومساحة من البراح لا غنى عنها ليستطيع الفرد فيها أن يمارس إنسانيته دون تطفل من الرؤوس التي تطل عليه بينما يمارس حياته. وأعتقد أن افتقاد هذه المساحة هو أحد أسباب تعاسة البشر في كل زمان ومكان. وربما كانت الحياة في الريف، حيث الحقول والخضرة الممتدة، جالبة للسكينة لمَن افترسته حياة المدن، وعصف الضجيج بأعصابه، كذلك الاستقرار بالأماكن الساحلية المُطِلّة على البحر يمنح الخيال فرصة للانطلاق بلا حدود، لكن مع ذلك لا الريف ولا البحر في بلادنا يكفيان ليمنحا شخصًا الحق في أن يجلس وحيدًا إذا شاء، دون أن ينْقَضَّ عليه قريب أو زميل من أجل الدردشة بدون مناسبة عن أدَقّ تفاصيل حياته، التي اطّلع عليها من جيرانه وزملائه في العمل!.

وفى الحقيقة ليس أصعب على الإنسان من مواجهة أنفاس الآخرين طوال يومه في الشوارع المزدحمة والمكاتب الضيقة والباصات الخانقة، وما أتعس مَن يعجز عن الحديث إلى صديق، دون أن يضطر إلى الهمس حتى لا يسمع الجميع حديثه. وفى هذا الشأن يمكن النظر إلى أولئك الذين يعيشون في الأماكن العشوائية ذات المساكن المتلاصقة، التي تفصل بينها وبين بعضها سنتيمترات، على أنها الجحيم بعينه، خاصة أنه في بعض الأحيان تكون ستارة من قماش هي ما يصنع الحدود بين مساحة الواحد منهم ومساحة جاره!. ومن الطبيعى أن حقًّا أساسيًّا تنص عليه الدساتير جميعًا يكون معطلًا في ظروف كهذه، وهو الحق في الخصوصية.. وأى خصوصية يمكن أن تتوفر عندما يخدم حمام واحد عشرات العائلات؟!.

وليس الحيز المطلوب للسلامة النفسية هو الحيز المادى فقط، لكن يحتاج الإنسان أيضًا، حتى في الأماكن المتسعة، إلى قدر معقول من الخصوصية. صحيح أن الإنسان حيوان اجتماعى لا يستطيع أن يسعد بدون وجود الناس في حياته، لكن هذا الوجود لا ينبغى أن يصل إلى درجة الاقتحام، الذي يُضيق الخناق على الناس، ويحرمهم السعادة، حتى لو كانوا يعيشون في قصور. غير أن المبالغة في احترام الخصوصية في المجتمعات، التي قطعت أشواطًا بعيدة على صعيد حقوق الإنسان، قد جعلت الناس في أحيان كثيرة يدفعون ثمن هذه الحقوق من الشعور بالوحدة والانزواء، وهو ما قد يدفع أحيانًا إلى الانتحار.. وقد شهدت بنفسى في بعض عواصم الغرب مقاهى ومنتديات مفتوحة لتشجيع الناس على التعارف وتكوين الصداقات، بعد أن ابتعد الناس عن بعضهم سعيًا للحفاظ على المسافة الإنسانية المفترضة واللازمة. وربما أن هذا الصقيع النفسى هو ما يؤدى إلى أن بعضهم عندما يزور بلادنا ينبهر، ويحسد الناس على الحميمية والقرب، الذي يصل أحيانًا إلى درجة أن يركب خمسة أفراد على موتوسيكل، بينما لا يستطيع الواحد في بلادهم أن يلمس جاره، مهما كان المترو مزدحمًا!.

ومع ذلك تظل المساحة والحيز المناسبان شرطًا ضروريًّا للسعادة، إلى جانب أشياء أخرى.

arabstoday

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 03:56 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 03:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 03:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 03:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 03:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 03:37 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين وإسرائيل في وستمنستر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البراح الإنساني البراح الإنساني



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab