الغُربة نار كاوية

الغُربة نار كاوية

الغُربة نار كاوية

 العرب اليوم -

الغُربة نار كاوية

بقلم - أسامة غريب

 

فى أحد بلدان الخليج، كنت أقف بالشارع فى انتظار تاكسى، عندما سمعت صوتًا مصريًا يتحدث صاحبه فى المحمول بانفعال. كان الصوت عاليًا بدرجة ملحوظة، ووضح انهماك صاحبه فى المكالمة لدرجة عزلته عما حوله. رأيت وجهه يحتقن بشدة وهو يقول: أنا لست مغفلًا.. عندما أسألك مالك يجب أن تردى بصدق فى الحال.. لا أريد ملاوعة.. لا لا.. صوتك لا يقول أنك بخير.. هل تظنينى لا أعرفك؟.. لا أحد يفهمك مثلى، إننى أعرف من نبرة صوتك متى تكذبين.. هناك شىء لا تريدين إخبارى به.. قولى لى ما هو.

نسيتُ أمر التاكسى الذى أنتظره وأصختُ السمع للمكالمة التى ظهر لى أن صاحبها الشاب يتحدث إلى امرأته فى مصر، وشعرت بتعاطف عجيب مع المتحدث الذى طلب زوجته أو خطيبته ليسألها عن الأحوال، فإذا بها تجيبه بلهجة لا تدعو للطمأنينة، ثم لا تريحه فتشرح له ما يكدرها. استمع الفتى لصوتها على الناحية الأخرى ثم قال فى أسى: هل تعلمين أنك كلما قلتِ لى لا تشغل بالك ازداد بالى انشغالًا.

وكلما قلت لى مافيش حاجة أيقنت أن هناك ألف حاجة؟.. أنا أسألك ببساطة: مالك؟.. بعد ذلك تحشرج صوته وغص وهو يقول دامعًا: هل تعرفين أننى هنا أطفح الدم وأعيش عيشة الكلاب من أجل سداد أقساط الشقة، وكل ما أريده منك أن تردى على المكالمة بشكل طبيعى لا يحطم أعصابى..أما وقد قلتِ أنا كويسة بشكل مراوغ مليء بالتنهدات، فالواجب أن تكملى وتحكى لى ما حدث.. هل عاد الرجل إياه إللى مضايقتك من جديد؟ نعم؟.. ماذا تقولين؟ ارفعى صوتك أنا لا أسمعك.

أخذ الشاب يلف حول نفسه وهو يجز على أسنانه ويعيد على المرأة الأسئلة علّه يظفر منها بما يريحه ويجعله يعود ساكنًا إلى البيت فينام ليطوى ليلة من ليالى الغربة.

أشفقت على هذا الشاب وأحسست بتعاطف جارف مع حالته.. إنه ببساطة يشعر أن غيابه من أجل توفير الأمان قد فعل العكس، ورفع مظلة الأمان عن أحبائه. كلنا نعرف الناس القريبين منا وندرك أن «الحمد لله» الطبيعية تختلف عن «الحمد لله» الممطوطة التى يتأرجح قائلها بين البوح والكتمان. المسافر المتغرّب عن أهله مثله مثل السجين بالضبط، تحجبه عن أحبائه قضبان المسافة واختلاط الحقائق بالأوهام فى ذهنه، وقد ترك فى الوطن أناسًا لا يعرف ما فعل بهم الزمن فى غيابه.

أكثر ما يؤلم المسافر المتغرب هو علمه أن الجميع سيحرص على إخفاء الأخبار السيئة عنه، والحقيقة أن هذا بالضبط ما يقتله. لو أنهم يخبرونه بكل شىء دون أن يحرصوا على مشاعره، إذن لحقنوا أدرينالينه الذى ينساب، وأعصابه التى تتآكل، ودمه الذى يحترق وهو يستنطقهم ساعيًا لاستخراج الحقيقة منهم.

إن الإمام المُجاهد الذى قال «إن منفاىَ سياحة، وسجنى خلوة» لم يجرب أن يجرى مكالمة لا تبل الريق من خارج الديار مع من يحب، ثم تنتهى وقد قلبت كيانه وزرعت الشك والقلق فى عروقه. حقًا.. الغربة نار كاوية.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغُربة نار كاوية الغُربة نار كاوية



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 20:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
 العرب اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab