بقلم : أسامة غريب
للفنان كارم محمود أغنية جميلة من الواضح أنه أعيد اكتشافها حديثا لأن الجميع صار يتغنى بها فى كل الدول العربية. الأغنية هى «مشغول عليك» من كلمات فتحى قورة ولحن أحمد صدقى. والحقيقة أن من يحب هذه الطقطوقة ويتعلق بها معذور لأنها أغنية فاتنة صاغ كلماتها ببساطة واقتدار المؤلف السهل الممتنع الذى كتب لكارم أيضا «أمانة عليك يا ليل طول». ولفتحى قورة مقدرة على اجتراح المعانى الرومانسية من كلمات عادية يتداولها الناس، ولهذا عاشت أغانيه وعبرت الزمن وتلقفها أبناء الجيل الحالى ليعيدوا إحياءها. تقول الكلمات: مشغول عليك مشغول.. ما أقدرش أغيب عنك.. يا ريت عذابى يطول.. وأفضل قريب منك.. آه عليك مشغول.. أما بالنسبة لأحمد صدقى فحدث ولا حرج، انسيابية النغم الأصيل والجمل الموسيقية الشجية، خاصة فى تنغيمه لجملة آه آه عليك مشغول.. تشعر بأن بها ضراعة وصدقا يدفعان للبكاء. بعدها تقول الكلمات: لا عشقت بعدك ولا قبلك.. ولا قلت لك إنى بهواك. وكان عزايا إنى باقابلك.. وأكلمك وأقعد وياك.. وبعد ما شغلنى جمالك.. راحت وخلصت أيامى.. ضيعت أملى بآمالك.. وداويت آلامك بآلامى.. وإزاى أخبى وإزاى أدارى.. والوجد فاض بى ولا أنت دارى.. آه آه عليك مشغول.
هذا المعنى الذى ذكره المؤلف يدل على أنه يفهم الحالة الشرقية للعلاقات بين المحبين، فالعاشق الذى يفضى إلينا بأنه لم يعشق بعدها ولا قبلها، ومع ذلك لم يصرح للمحبوبة بمشاعره أو يخبرها بما يكابده ويقاسيه وحده.. هذا العاشق هو المحب العربى الكلاسيكى الذى يتحسب للاعتراف مخافة أن تكون مشاعره من طرف واحد، وساعتها لن يكون هناك مفر من انقطاع حبل الود بينهما، فما بعد الاعتراف يختلف تماماً عما قبله، وحتى بالنسبة إلى الفتاة، فهى قد تكون لمّاحة فالتقطت إشاراته وأدركت أنه يحبها، لكنها فى حالة ما إذا كانت لا تبادله الحب فإنها تستطيع تجاهل الإشارات وتستمر مع ذلك فى علاقة الزمالة والأخوّة أو الجيرة البريئة، أما إذا باح واعترف فإنها لن تستطيع أن تلقاه بعد ذلك حتى لا تتعقد حياتها وحياته، فالبوح هو بمثابة زلزال وبعده «يا طابت يا اتنين عور»، كما يقول المثل الشعبى. وبالنسبة له فإنه يفضل كتمان السر لأن هذا يتيح له أن يراها ويجالسها ويتحدث إليها وينعم بالقرب منها، وقد يكون هذا ما يصبّره ويقويه بأمل أن يأتى يوم ينجح فيه فى استمالتها، ووقتها سيكون البوح تحصيل حاصل بالنسبة لعلاقة كشفتها العيون وفضحتها النظرات وعبّرت عنها اختلاجات الوجه والأهداب واحتباس الصوت وارتعاش الشفايف.
كل هذا أوضحه الشاعر ببساطة قبل أن يكمل: هويتك وانت ناسينى وقاسى القلب أوهامه.. تعالى وشوف يا كاوينى عذاب الحب وآلامه. يا أول حب نادانى بقلبى وروحى لبّيته.. وراح منى وبكانى بأول لحن غنيته.. يا عشرة ما هانت.. يا ريتها ما كانت.. وإزاى أخبى وإزاى أدارى والوجد فاض بى ولا أنت دارى.. آه عليك مشغول.