بقلم:أسامة غريب
تكلمنا عن بعض الشيوخ والدعاة الذين يصدرون خطابًا جاهلًا يحوى تخاريف واضحة وفتاوى يتضمن تنفيذها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقلنا إن تصديق مثل هذا واعتناقه يحتاج عقلًا مختلًا فاقدًا للرؤية وقابلًا للاستلاب لصالح الخرافة. ومع ذلك فإننى صادفت أناسًا كنت أفترض فيهم الرشد يحبون أمثال هؤلاء الدعاة، ولقد حِرت فى أمرهم وجربت أن أناقشهم بالعقل.
فى البداية كنت أقول: كيف تثق فى شيخ يريد أن يأسر أهل فرنسا وسويسرا ثم يقيم سوقًا للنخاسة ويبيعهم لفك أزمته المالية، أو كيف تثق فى شخص يُفتى للناس بأن تارك الصلاة كسلًا يُستتاب ثلاثة أيام ثم يُقتل؟.
فى البداية يُبدى من تحاوره الدهشة من مثل هذا الكلام وينفيه بقوة زاعمًا أن شيوخه الأجلاء لا يقولون مثل هذا الكلام الفارغ، وأن العلمانيين أعداء الدين هم من يروجون هذه الترهات حتى ننصرف عن أهل العلم ونتبع أهل الجهالة!. أتذرع بالصبر وأقول: وهل إذا أريتك فيديوهات بالصوت والصورة بها مثل هذه الفتاوى، أتصدقنى وتغيّر موقفك من هذا الجنون؟ وردًا على هذا السؤال عادة ما أسمع: طبعًا.. إنى أتحداك أن تثبت ما تقول، وما أظنك إلا مروجًا لكلام سمعته ولم تشاهده بنفسك.
هنا أفتح الموبايل وأعرض على صاحبى أحد فيديوهات الخلل العقلى الصارخ وأتأمل وجهه وهو يشاهد وألمح تقلصات ملامحه فأستبشر خيرًا وأقول إنه يشعر بالخديعة التى تعرض لها على يد السادة الدعاة، ويبدو أنه أصبح مؤهلًا لمعرفة الحقيقة. لكن بعد نهاية الفيديو يقول الأخ: أواثق أنت من أن الفيديو سليم ولم يتعرض للتركيب واللعب باستخدام الذكاء الاصطناعى؟. أقول: ابحث بنفسك وتأكد. لكنه بعد محاولات للتشكيك فيما رأى يلجأ لتكتيك آخر فيقول: يا أخى بفرض أن ما رأيناه صحيح ولم يتعرض للتحريف، فهل نهدر القيمة العلمية لأحد رجال الدين الأجلاء لأجل فيديو واحد، متناسين عشرات الفيديوهات التى بها الخير العميم؟!.. هنا أجد نفسى وقد أصبحت عاجزًا عن الرد.
لقد كنت أعتقد أن المهمة سهلة، وأن كل ما علىَّ هو أن أحمل هؤلاء الناس على رؤية ما روّعنى وأذهلنى من الخطاب الخزعبلى والفتاوى الملتاثة حتى يعترف بالحقيقة، ويتجه بعد ذلك للاستماع لعقلاء سواء من شيوخ أو مفكرين.. غير أن الأمر لا يكون بهذه البساطة، ذلك أن المرض قد استشرى لدرجة أن من نظنهم من العقلاء ليسوا كذلك، لكنهم مجرد خلايا نائمة فى تنظيمات داعشية، وأنهم ما أحبوا الشيخ فلان أو علان إلا بسبب جنونه وجنوحه وتخريفه وليس بالرغم مما سبق!.. هم يحبون الرجل لأنه يمثل جنونهم أبلغ تمثيل ويعبر عنه بصراحة، بينما هم يدارون أنفسهم وسطنا متظاهرين بأنهم مثقفون مثلنا!.. وهذا بالضبط مثل المهاويس الأمريكان الذين يعبدون ترامب بسبب جنونه وإجرامه.
لقد وصلت للحقيقة أخيرًا بعدما أضعت وقتًا طويلًا فى الجدال والنقاش من باب المحبة مع الأصدقاء والأقارب. هؤلاء ينتظرون دولة داعشية تحقق أحلامهم، وسوف يظلون فى حالة كمون بأمل ظهور رجل كأبى محمد الجولانى ليمنحوه ثقتهم على بياض!.