بقلم - أسامة غريب
من الملاحظ أن حالة الرعب التى اجتاحت المستويات السياسية العليا فى أوروبا وأمريكا عقب هجوم المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الحالى كانت مساوية للرعب الذى أحسه المواطن الإسرائيلى الذى تعود على قتل الفلسطينيين دون رد!.
الهستيريا التى ألَمّت بالزعماء بايدن وسوناك وماكرون وشولتز وجورجيا وترودو كانت غير مفهومة بالنسبة للكثيرين. إن رد فعل ماكرون على سبيل المثال يتوازى مع ما كان سيُبديه لو أن هجومًا قد وقع فى الشانزليزيه.. فما السبب الحقيقى لهذا الجنون الذى ميّز ردود الأفعال لزعماء العالم الغربى؟.
أعتقد أن الخوف على المشروع الذى احتضنوه وراهنوا عليه من أن ينهار كان سببًا رئيسيًّا، ومع ذلك، فإن هذا حتى لا يبرر كل هذا الهلع الذى جعلهم يخاصمون المنطق والشرف والإنسانية وينحازون إلى الوحشية السافرة.
يمكننى أن أتصور أن أمريكا ودول الناتو تحقق مكاسب كثيرة من خلال وجود إسرائيل بصورتها الرهيبة المعتادة، والأمر على حقيقته هو كالتالى: إسرائيل تضرب فتقتل وتدمر، والعرب يصرخون ويهرعون إلى أمريكا لتنقذهم من الوحش.. صحيح أن العرب يعرفون أن أمريكا هى التى صنعت الوحش وأمدته بالسلاح ووفرت له الحماية الدبلوماسية ودعمته اقتصاديًّا حتى يبدو فى صورة الدولة المتقدمة، ومع ذلك فإن العرب لا يجدون مَن يلوذون به من العدوان الإسرائيلى سوى أمريكا وحلفائها، والتدخل الأمريكى عادة ما يترتب عليه انخفاض وتيرة القتل والحرق والهدم فيتأكد لدى العرب أن أمريكا بيدها الحل وأنها تملك كل أوراق اللعبة، وهذا يدفعهم إلى الخضوع التام والانضواء تحت مظلة واشنطن والتحول إلى ركن من أركان لعبتها ودعامة من دعائم قوتها، أى أن العصا الإسرائيلية هى التى تدفع العرب إلى دخول الحظيرة الأمريكية، وإذا ما جمعت واشنطن بين العرب والإسرائيليين فى مفاوضات سلام بعد أن رأوا البأس الإسرائيلى فإنهم حتمًا سيوافقون على كل ما يطلبه الأمريكان، وهذا عين ما رأيناه فى مباحثات أوسلو، حيث سلم المفاوض الفلسطينى بطلبات العدو، واعترف بدولة إسرائيل، ووافق على خسارة معظم أراضيه التى حددتها قرارات الأمم المتحدة!.
ما حدث صباح 7 أكتوبر الحالى هو أن العصا الإسرائيلية الغليظة قد انكسرت، والعفريت المخيف ظهر على حقيقته ولم يعد يُخيف، وهذا يعنى فى الاستراتيجية الغربية أن العرب لن يعودوا مضطرين للخضوع لأمريكا والتحرك وفقًا لأجندتها، وربما يدفعهم التحرر النفسى إلى اتخاذ جانب الصين وروسيا فى الصراع الكونى أو على الأقل اتخاذ مواقف مستقلة لا يأخذون فيها مصالح أمريكا فى الاعتبار.
هذا هو السبب الحقيقى للجنون الذى ميز ردود أفعال قادة العالم الغربى وكيف أنهم لم ينزعجوا لقتل أطفال فلسطين بالفوسفور الأبيض، بل باركوا ورحبوا بقتل الأجنة فى بطون الأمهات، وقاوموا بشدة محاولات إدخال الماء والدواء إلى المدنيين المُحاصَرين فى غزة. قشرة الحضارة زالت وأسفر ما تحتاجها عن وحش ذى أنياب كان يتخفى دائمًا تحت ستار من شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، فلما خاف على ربيبته إسرائيل واستبد به الهلع ظهرت داعشيته ولم يعد يحفل بأن يُخفيها!.