الحرب وغزة وميزان الربح والخسائر

الحرب وغزة وميزان الربح والخسائر

الحرب وغزة وميزان الربح والخسائر

 العرب اليوم -

الحرب وغزة وميزان الربح والخسائر

عريب الرنتاوي

بحسابات الربح والخسارة، وفقاً لمعادلات الحروب الكلاسيكية، لا تتعدى خسائر إسرائيل الثلاثة بالمائة من خسائر الفلسطينيين وفقاً لصحيفة “هآرتس” ... لكنّ لحروب غزة ومعاركها مع إسرائيل، منهجاً آخر في “الرياضيات”، وطريقة متفردة لعمل ميزان الأرباح والخسائر.
بالمعنى التقليدي لحساب الربح والخسائر: فقدت إسرائيل 68 قتيلاً وبضع مئات من الجرحى، مقابل أزيد من ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح في صفوف الفلسطينيين ... الخراب الذي لحق بغزة، لا يقارن إلا بـ “مدن الحرب العالمية الثانية”، وسيحتاج الفلسطينيون لسنوات طويلة، حتى يعيدوا بناء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية البربرية.
على أية حال، لسنا بحاجة لكثير من الوقت والجهد لمعرفة المنتصر والمهزوم في هذه الحرب ... خروج عشرات ألوف الفلسطينيين في مهرجانات الفرح والانتصار، في غزة والضفة والقدس والشتات، فيض الرسائل والبرقيات والنصوص التي حفلت بها الهواتف الذكية و”الغبية” ومواقع التواصل الاجتماعي، أشّرت جميعها على المنتصر ... وفي المقلب الآخر، كان “تسريب” نبأ التهدئة وطريقة تمريره (بالهاتف) إلى أعضاء “الكابينيت”، وصمت القبور الذي انتاب الطبقة السياسية الحاكمة في إسرائيل، فضلاً عن انطلاق التكهنات بنهاية وشيكة للمستقبل السياسي لرئيس الوزراء بينيامين نتنياهو، مؤشراً آخر دالّاً على هوية المهزوم.
غزة صمدت وقاومت، ومن خلفها وقف الفلسطينيون بإجماع فصائلهم وقادتهم ونشطائهم وجماهيرهم خلف صمودها ومقاومتها الباسلة، فاستحقت أن تنتصر على الجيش المدجج بأحدث التكنولوجيا وأكثر الأساطير العنصرية تخلفاً ... غزة قاومت وانتصرت، رغم البيئة “غير الصديقة” للفلسطينيين التي أحاطت بمجمل الحراك والاتصالات والمشاورات السياسية والدبلوماسية، وبرغم حروب المحاور والمعسكرات العربية والإقليمية المحتربة.
في ميزان الربح والخسائر، يمكن القول إن إسرائيل جنت ما يأتي: (1) فقدت عطف كثير من أصدقائها وخسرت الكثير في معارك الصورة والرواية، واقتربت أكثر من كابوسها: “نزع الشرعية الأخلاقية” لمشروعها في نظر المجتمعات الغربية (هي فاقدة لهذه الشرعية أصلاً في نظر شعوبنا ومجتمعاتنا) ... (2) فقدت صورة الردع ومهابته، فالصواريخ ظلت تطلق حتى الدقيقة الأخيرة للحرب، ومستوطنات غلاف القطاع فُرّغت من ساكنيها، وكاد العام الدراسي أن يبدأ تحت حماية سلاح الجو والقبة الحديدية، وحركة الطيران شابها ما شابها من ارتباكات، فضلاً عن الأنشطة العامة والجماهيرية التي ألغيت، ومرابطة ملايين الإسرائيليين على مقربة من الملاجئ ... (3) فشلت إسرائيل في تحقيق أحد أهم أهداف حربها المعلنة على القطاع، فلا سلاح المقاومة انتزع، ولا هي رفعت الرايات البيضاء، ولا الأنفاق كفّت عن عملها المقاوم، والأهم، لم تخرج التظاهرات الداعية لوقف المقاومة، بل خرج نقيضها وبعشرات الألوف لتشييع الشهداء ... (4) فشلت إسرائيل في تحقيق هدف هام آخر لحربها على غزة، وتمثل في ضرب حكومة الوفاق وقطع الطريق على خيار المصالحة الوطنية، فمجريات الحرب ونتائجها، كرست المصالحة وقرّبت الفلسطينيين من بعضهم البعض، أكثر من أي وقت مضى... (5) بعد الحرب، ستدخل إسرائيل في معمعة التلاوم المتبادل والتحقيقات والاتهامات بالتقصير، وسيفقد نتنياهو مستقبله السياسي كما يرجح كثيرون، وربنا تذهب إلى انتخابات مبكرة، فيما ثقة الرأي العام بقادته ومؤسساته وأمنه الشخصي والعام، ستكون أضعف من أي وقت مضى.
في المقابل، يمكن القول، إن الفلسطينيين، حققوا ما يأتي: (1) كل خسارة منيت بها إسرائيل هي ربح صافٍ لهم، فـ “المعادلة الصفرية” هي القانون الناظم للعلاقة بين الجانبين بكل تأكيد ...(2) خرجوا بثقة أعلى بالنفس والمقاومة وبكل ما يمتلكون من خيارات وأوراق وبدائل، في مقدمها خيار المقاومة ... (3) خرجوا أكثر صلابة وإصراراً من حرب امتدت لشهرين، تذكرهم بحروبهم وانتفاضاتهم وثوراتهم المجيدة، التي كادت تضيع في دهاليز التفاوض وفوضى الحالة العربية ... (4) خروج القطاع من شرنقة الحصار الجائر، ورضخ الاحتلال لمطلب إعادة الإعمار بصورة فورية وفتح المعابر وتقليص المناطق العازلة وتوسيع مناطق الصيد البحري، دع عنك نجاحهم في تثبيت أجندة المفاوضات اللاحقة حول المطار والميناء والأسرى وحركة المال وغيرها ... (5) خرجوا بتفاهم أفضل مع مصر بخصوص معبر رفح وتنظيم العلاقات مع القطاع ... (6) خرجوا أكثر توحداً، فنتائج التهدئة وديناميكيات تطبيق اتفاقها والمفاوضات التي ستعقبها، ستملي عليها وجوباً حفظ وحدتهم الوطنية وتعلم العمل المشترك وتبادل الأدوار وتجاورها وتكاملها.
حرب إسرائيل الثالثة على غزة، إذ بعثت روحاً جديدة في أوساط الفلسطينيين، فإنها تمهد لمرحلة استراتيجية في مسار الكفاح الوطني الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال، نأمل ألا تضيع فرصتها من دون أن تترجم إلى نهج جديد واستراتيجية جديدة، وعلاقات داخلية وإقليمية ودولية جديدة، وأنماط جديدة ومبتكرة ومتكاملة من أدوات الكفاح وأشكاله ... فالمعركة مع إسرائيل ما زالت في بداياتها، ومشورا الحرية والاستقلال ما زال طويلاً ومكلفاً.

 


 

arabstoday

GMT 13:39 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تقاتلوا

GMT 13:37 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

لبنان.. عودة الأمل وخروج من الأسر الإيراني

GMT 13:33 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ليلى رستم نجمتنا المفضلة

GMT 13:31 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

ظاهرة إيجابية بين الأهلى والزمالك

GMT 13:28 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

سوريا بعد الأسد واستقبال الجديد

GMT 13:26 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

معضلة الدستور في سوريا

GMT 13:25 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

انتخابات النمسا وأوروبا الشعبوية

GMT 13:23 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

الموسوس السياسي... وعلاج ابن خلدون

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب وغزة وميزان الربح والخسائر الحرب وغزة وميزان الربح والخسائر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:06 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يوجه الشكر لبايدن بسبب دعمه الراسخ لأوكرانيا
 العرب اليوم - زيلينسكي يوجه الشكر لبايدن بسبب دعمه الراسخ لأوكرانيا

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab