عنصرية الغرب و«عنصريتنا»

عنصرية الغرب و«عنصريتنا»

عنصرية الغرب و«عنصريتنا»

 العرب اليوم -

عنصرية الغرب و«عنصريتنا»

عريب الرنتاوي

يتبارى كتاب وسياسيون في “هجاء عنصرية الغرب” ويتخذون من وقائع التمييز التي لا تعد ولا تحصى التي تحدث في عواصمه، سبباً في تصعيد نبرة “الشكوى” و”خطاب المظلومية”، من دون أن يتوقف كثيرون منهم أمام أسباب تفاقم هذه الظاهرة، ومن بينها، ولا أقول وحدها، تنامي مظاهر والغلو والتطرف والإرهاب في العالمين العربي والإسلامي، وانتقال شراراته الحارقة إلى قلب تلك العواصم.
ينسى هؤلاء أو بالأحرى يتناسون، أن خطاب بعضهم ينضح بالعنصرية، لا ضد الغرب فحسب، بل وضد إخوانٍ لهم يختلفون عنهم في اللون أو الدين أو المذهب أو القومية ... ينسون أو يتناسون، أنه من الصعب ضبط مشاعر مواطن استرالي من سدني، رأى رأي العين، أحد “شيوخنا” يلوح بسكينه ورشاشه ورايات “داعش” السوداء” في قلب مدينته، أو التحكم بمشاعر مواطن بريطاني، يرى شاباً نيجيرياً، ينهال بسيفه تقطيعا بجسد أحد رجالات الأمن في بلاده، وسط صيحات الله أكبر.
لا يكفي أن يقال إن “الإرهاب لا دين له ولا وطن أو جنسية أو لون”، فهذا القول على صحته، بات اليوم مخادعاً تماماً، فحين يكون أكثر من تسعة وتسعين بالمائة من أعمال التطرف والإرهاب، ينفذها أشخاص وجماعات محسوبة علينا، في الدين وغالباً في القومية، فإن من الطبيعي أن يرتبط الإرهاب بنا، وأن نصبح اسماً حركياً له، متعارف عليه دولياً.
لا يكفي أن يقال إن ضحايا الإرهاب من المسلمين، والعرب بخاصة، هم أكثر من ضحاياه الغربيين، فهذا القول الصحيح تماماً، يبدو مضللاً في أحسن تقدير، فنحن من أنتج هذه الظاهرة، وهي الابنة غير الشرعية لبيئتنا السياسية والثقافية والاجتماعية، وليس مهماً بالنسبة لمواطن في كندا، أن نكون أول ضحاياها، ما يهم ذاك المواطن ألا يصبح هو وأبناء عائلته من بين قائم الضحايا المحتملين لهكذا تطرف.
حين تنتشر الجماعات التكفيرية في مختلف عواصم الشرق والغرب، وتشرع “الذئاب المستوحدة” في استلال سيوفها وخناجرها وقنابلها، فهل من الممكن منع تفاقم ظواهر العنصرية واستهداف المسلمين؟ ... وحين يصر نفر من المسلمين في المجتمعات الأوروبية على العيش في جماعات ومجتمعات مغلقة، “طالبانية” الطراز، وفي قلب عواصم الحضارة الغربية، وعلى نفقة دافعي الضرائب فيها، فهل من الممكن تفادي انتشار العنصرية والكراهية للأجانب؟
لو أن بعض ما يحصل في تلك المجتمعات، يحصل عندنا وفي مجتمعاتنا، ومن قبل جماعات ومنظمات وأفراد متطرفين غربيين، قومياً أو دينياً، ما الذي سنشعر به، وكيف ستتصرف مجتمعاتنا حيال ظواهر كذلك، وما الذي سيقوله منتقدو عنصرية الغرب بحق هؤلاء والمجتمعات التي أخرجتهم من بين ظهرانيها؟
ألا تلاحظون حجم العنصرية التي تبديها مجتمعاتها حيال الوافدين إليها طوعاً أو قسراً، من أبناء جلدتنا في اللغة والدين والقومية؟ ... ألم تأتكم أنباء العنصرية المتفاقمة في معظم مناطق لبنان ضد اللجوء السوري؟ ... ألم نبدأ بتلمس ملامح لغة وممارسة عنصريتين في أوساطنا تجاه أشقائنا من اللاجئين السوريين؟ ... كيف ننظر للعمالة الوافدة، وكيف تُعامل هذه العمالة في دولنا الغنية؟
نحن دول ومجتمعات عاقبت مئات الألوف من العاملين المغتربين فيها، لا لسبب اقترفوه، بل لخلاف سياسي مع حكومات بلدانهم، ألا تذكرون موجات الهجرة والتهجير الجماعية التي تعرض لها العاملون الأردنيون والفلسطينيون واليمنيون واللبنانيون الشيعة، من عديد الدول العربية، لمجرد اندلاع خلاف سياسي مع حكومات بلادهم ... هل تذكرون “صرعات العقيد” معمر القذافي الذي قذف بألوف الفلسطينيين إلى الصحراء مع مصر، ومنعت الأخيرة دخولهم أراضيها لأشهر طوال، ذاقوا خلال قيظ الصيف وبرد الشتاء في الصحاري والبوادي القاحلة؟
هذا لم يحدث على الأقل، في المجتمعات الغربية، برغم المظاهر التي لا يمكن إنكارها للتمييز وكراهية الأجانب، وبرغم الصعود الذي لا يمكن تجاوزه، لقوى اليمين المتطرف في أوروبا بشكل خاص، ولكن لا بد من وضع الأمور في نصابها، وطرح المسألة من مختلف أبعادها.
ثم، إذا كانت العنصرية والتمييز العنصري، هي سمة تعامل المجتمعات الغربية مع الجاليات العربية والمسلمة، لماذا لا نرى هجرة معاكسة، حتى من قبل أولئك الذي قرروا “إقامة الخلافة الإسلامية في كوبنهاجن”؟ ... لماذا تستمر طوابير الباحثين عن عمل وهجرة ولجوء، أمام السفارات الغربية؟ ... لماذا يقامر ألوف الشباب والصبايا بركوب البحر والتعامل مع “القراصنة” والمهربين للوصول إلى شواطئ الغرب ومدنه الساحلية؟ ... لماذا نتبادل التهاني مع أصدقاء لنا، نجحوا في الوصول إلى روما أو فيينا أو لندن أو باريس؟
قبل أن نرمي الغرب بحجر العنصرية، علينا أن نبحث في دواخلنا عن “عنصريتنا” الخاصة بنا، بما فيها ضد الشقيق في الوطن، المختلف في المذهب أو الدين ... قبل أن نتحدث باستعلاء عن “قيمنا الأصيلة” لنتوقف ولو للحظات مع لغتنا العنصرية في مخاطبة بعضنا بعضا، أو مخاطبة الآخر الشريك في الوطن والقومية والدين واللغة ... قبل أن نقذف تلك المجتمعات بحجارتنا، علينا أن نسرح بخيالنا ونستجمع سيناريو “داعش” مسيحية أوروبية، تعيث في مجتمعاتنا قتلاً واغتيالا، أو أن نرى “جاليات” غربية، تبني لنفسها مجتمعات داخل مجتمعاتنا، تمارس فيها ما اعتادت ممارسته من عادات وحريات وشعائر وعبادات وطقوس، عندها وعندها فقط، سنعرف من منّا أكثر عنصرية.

arabstoday

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 06:24 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 06:22 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 06:21 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 06:18 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 06:17 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

محفوظ والعقاد في عيون فيفي وشكوكو

GMT 06:16 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 06:14 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

معركة مصالح دولية وإقليمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عنصرية الغرب و«عنصريتنا» عنصرية الغرب و«عنصريتنا»



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab