في الجدل حول «تكفير» التكفيريين

في الجدل حول «تكفير» التكفيريين

في الجدل حول «تكفير» التكفيريين

 العرب اليوم -

في الجدل حول «تكفير» التكفيريين

عريب الرنتاوي

ما أن يحدثك مسؤول حكومي عربي، أو “عالم” دين من المحسوبين على الإسلام الوسطي المعتدل عن “داعش” وأخواتها، حتى يُمطرك بوابل من التأكيدات بأن هؤلاء ليسوا مسلمين إلا اسماً، وأن ما يدّعونه ليس من الإسلام في شيء، وإن إسلامنا براء مما يقولون ويفعلون، وأنهم يلحقون الأذى بالإسلام ويسيئون للمسلمين أكثر من غيرهم، وأنهم “فئة ضالة” و”نبت شيطاني” و”عناصر وافدة” و”بضاعة مستوردة”، إلى غير ذلك كثير مما تسعف اللغة والكلمات به أصحابها.
الساسة يحجمون في العادة عن “التكفير”، يتركون المهمة للناطقين باسمهم من رجال الدين و”علمائه”، مع أن قلة منهم ذهبت في هذا الاتجاه مؤخراً... لكن الغريب في الأمر، أن هذه المرجعيات الدينية بعلمائها وفقهائها، تحجم عن “تكفير” الجماعات الإرهابية، بل وتصر على القول بأنهم “مسلمون”، نختلف معهم في الاجتهاد، وهم في أسوأ الأحوال، “ضالون” عن سواء السبيل، وبصورة تسمح دائماً بالنظر إلى ما يفعلونه بوصفه “جنحة” لا “جناية” كما يقال بلغة القانون.
المدرستان الرئيستان في حركات الإسلام السياسي المعاصر: السلفية والإخوانية، أحجمتا حتى الآن حتى عن وصف “داعش” بالإرهاب، وبعضهم ومن بينهم الإخوان، يحرص أتم الحرص على إدماج النصرة في قائمة “ثوار سوريا”، بل أن ثمة الكثير من التهليل والتكبير، حتى لا نقول التطبيل والتزمير، قد تصدّر المواقع الالكترونية لهذه الجماعات وصحفها، حين أعلنت “النصرة” سيطرتها على معسكري وادي الضيف والحامدية في الريف الشمالي لإدلب، جُل ما يصدر عن هذه الحركات، بيانات إدانة مقتضبة وخجولة لسلوك “داعش” عندما يبلغ السيل الزبى، وحين تصبح الجرائم المقترفة من قبلها، أكبر من أن تحجب بغربال، وغالباً تحت ضغط الرأي العام والحكومات الغاضب... والأهم من كل هذا وذاك، أن لا جدال فكرياً / فقهياً مع هذه الجماعات، ولا محاولات لـ “تظهير” موقف إسلامي مغاير لما تقوله وتفعله، إذ ما زال قادتها وشيوخها، يرددون ذات المفاهيم التي أكل عليها الدهر وشرب، عموميات ومواقف ضبابية لا تسمن ولا تغني من جوع.
السلفيون في هذا الشأن، مدارس ومذاهب، بعضهم يرى في “داعش” أبناء عمومته في الفقه والدين والمذهب، ينبري للدفاع عنها والدعاء لها، وفي أسوأ الحالات، لا نرى أزيد من “الدعاء” بأن يوفق الله المسلمين ويسدد على طريق الخير خطاهم، فإن أصابوا لهم أجران، وإن أخطأوا لهم أجر المجتهد، والله أعلم بالنوايا ... قلة قليلة تذهب أبعد من ذلك في انتقاد الجماعات الضالة، وغالباً لخروجها على “ولي الأمر”... وثمة كثرة كثيرة، ترفض حتى مجرد إصدار موقف مُندد بجريمة بيشاور أو جرائم “بوكو حرام” أو فظائع “داعش” وغيرها.
الأزهر الشريف، الذي يقود مدرسة الوسطية والاعتدال في الإسلام، ويطلق الحملة تلو الأخرى ضد التطرف والغلو، ما زال بدوره، يحجم عن “إخراج هؤلاء من الملّة”، وهم بالنسبة له ما زالوا على الدين، برغم الاختلاف معهم في نظرتهم ووسائلهم المتشددة، وتبريره أننا إن نحن “كفرناهم” صرنا مثلهم: تكفيريون، مع أن المقارنة هنا غير جائزة، إذ شتان بين جماعات تكفر الدولة والمجتمع، وتعمل سيوفها وخناجرها في رقاب العباد، وموقف فقهي يصدر بحق جماعة ضالة، تقارف من الأعمال، ما يجعلها خارجة على جميع شرائع الأرض والسماء ... لا أدري كيف يمكن تفسير صدور فتاوى عن الأزهر الشريف، ضد كتاب ومفكرين تنتهي إلى “تطليق زوجاتهم” لخروجهم على الملّة، في حين ينظر إلى ما تفعله “داعش” بوصفه إثماً متروكاً للرحمن الرحيم.
التناقض البيّن في قول بعض الأئمة والحركات والمرجعيات الدينية أن إسلامنا بريء منهم ومن أفعالهم، وإحجامها في الوقت ذاته عن “تكفير” هؤلاء، هو الذي يبقي لهم هامش مناورة واسعة، ويسمح لكثير من الشباب الالتحاق بهم، بل والنظر إليهم بوصفهم “قراءة” من قراءات الإسلام المعاصرة، تحتمل الخطأ والصواب، لكأننا نبحث في الفوارق بين الشافعي وابن حنبل ... هذا أمر خطير إن صدر نوايا صادقة، وخبيث إن اختبأت خلفه، مشاعر التعاطف، أو الإحساس بوحدانية المرجعية الدينية مع هذه الجماعات.
نفهم أن يقال ذلك عند الحديث عن الإخوان المسلمين وخلافهم من مدارس سياسية – دينية غير عنفية، ولكن أن يقال عن جماعة ارتبطت باسمها أفظع المجازر والقبور الجماعية، وعمليات التقتيل والتهجير وتقطيع الرؤوس والأطراف والسبي وجهاد النكاح، فذلك أمرٌ لا يمكن لنا أن نفهه، كما أن كثيرين من غير المسلمين من أبناء أوطاننا ومجتمعاتنا، يجدون صعوبة في تقبل صمتنا المتواطئ حيناً، وفي نقدنا المتردد الخجول أغلب الأحيان، وانظروا إلى ما قاله إميل شمعون نونا، رئيس أساقفة الموصل للكلدان، حول موقف الأزهر الفاتر من “داعش” لكي تتعرفوا أكثر عن مخاطر إحجام المرجعيات الدينية عن القيام بدورها.
والحقيقة أنه لا يوجد من تفسير لهذا التقصير المؤسف، إلا بواحد من اثنين: إما أن القوم يخشون على أنفسهم بطش هذه الجماعات وابتزازها وإما أنهم يشتركون معها في كثير أو قليل من مواقفها ونظراتها ... والنتيجة في كلتا الحالتين تراوح ما بين “المصيبة” و”المصيبة أعظم”.

arabstoday

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 06:24 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 06:22 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 06:21 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 06:18 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 06:17 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

محفوظ والعقاد في عيون فيفي وشكوكو

GMT 06:16 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 06:14 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

معركة مصالح دولية وإقليمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في الجدل حول «تكفير» التكفيريين في الجدل حول «تكفير» التكفيريين



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab