ظواهر وقيم «غريبة عن مجتمعنا»

ظواهر وقيم «غريبة عن مجتمعنا»؟!

ظواهر وقيم «غريبة عن مجتمعنا»؟!

 العرب اليوم -

ظواهر وقيم «غريبة عن مجتمعنا»

بقلم - عريب الرنتاوي

ما أن يقارف أحدهم، أو نفرٌ منهم، من أبناء جلدتنا، عملاً إرهابياً حتى يخرج عليك البعض منّا بالقول: هذا ليس منا، فعلته وثقافته وقيمه، غريبة عن مجتمعنا وقيمنا وأخلاقنا.
ما أن يصدر عن أحدهم فعل ينم عن الغلو والتطرف، والضيق بالآخر في الوطن، إن لأسباب تتصل بالدين أو الجندر أو اللون أو المنبت، حتى يخرج علينا من يذكرنا بأن هذا السلوك وتلكم الممارسات الشاذة، غريبة عن مجتمعنا وقيمنا وأخلاقنا.
وما أن تندلع مواجهات واسعة النطاق، في الملاعب أو الجامعات أو المدارس، حتى يخرج عليك جمع من الناس، مرددين العبارة ذاتها، ومن دون تلعثم: ثقافة وسلوكيات غريبة عن مجتمعنا وقيمنا وعاداتنا.
طرقاتنا باتت مسالك للموت ومنبعاً لا ينضب لطوفان من المشاجرات والتنابذ بأقذع الألقاب والشتائم... ومع ذلك هناك من سيقول لك: هذه ليست أخلاقنا وعاداتنا وقيم مجتمعنا المتسامح.
طرقاتنا باتت أماكن غير آمنة لنسائنا وفتياتنا بفعل تفشي ظاهرة التحرش، اللفظي والجسدي، وما أن تتحدث بالموضوع مع أحدهم، حتى يجيبك بأن هذا الموضوع حساس، وأن هذه الظاهرة وافدة على مجتمعنا وغريبة عنه، وتتعاكس مع كل ما تربينا عليه من أخلاق وقيم.
يُضرب المُدرس في الغرفة الصفية، ويمنع مدير المدرسة من مزاولة عمله، ويطرد رئيس الجامعة من مكتبه، ونحن ما زلنا مصرين على أن هذه العوارض غريبة عن مجتمعنا وقيمنا وأخلاقنا وتربيتنا.
يُعتدى على الأطباء والممرضات في المستشفيات والعيادات العامة والخاصة، وتطلق النار على جباة الكهرباء أو الماء، ويحال دون قيامهم بأداء وظائفهم، ويُعتدى على دوريات المرور من قبل « الفاردات»، ويتعرض رجال الشرطة، كما المواطنين، لأبشع مظاهر «التنمر»، ومع ذلك هناك من سيعاود عزف الأسطوانة المشروخة على مسامعك: قيم وسلوكيات غريبة عن مجتمعنا.
مشاجرات عائلية وعشائرية، ما أن تضع أوزارها على جبهة حتى تنفجر على جبهات أخرى، قتلى وجرحى وتدمير متبادل للممتلكات وحرق عشوائي للسيارات وإغلاقات للطرق بما فيها الاستراتيجية منها، وتلويح بإغلاق المزيد منها، ومع ذلك هناك من يقول لك: هذه ليست من شيمنا ولا تمت بصلة لأخلاق مجتمعنا وما توارثناه عن الآباء والأجداد.
تعج وسائط التواصل الاجتماعي بفيض لا ينقطع من الشتائم وهتك الأعراض والمحرمات، وتشهير وانتهاك للخصوصية، ومن تطاول على كافة المقامات وبأقذع لغة ولسان، وبما يعكس أعلى درجات الكراهية والحقد والغضب والانفجار، ومع ذلك ستسمع لمن يقول إن هذه فئة قليلة شاذة، ليست منا ولا نحن منها، وهي تخالف كل ما نشأ عليه مجتمعنا.
والحقيقة أنني عدت أتساءل عن أي مجتمع يتحدثون، وما الذي بقي من هذا المجتمع، بعد أن نطرح (أو نُخرج) منه، كل الفئات السابقة، وكيف يمكن لأفعال نكراء تتكرر، أن تكون غريبة عن مجتمعنا، وكيف لنا أن نظل مصرين على المكابرة والإنكار، ودفن الرؤوس بالرمال، مكتفين بترديد، تلكم العبارة الممجوجة، شأننا في ذلك شأن الببغاوات.
أيها السادة، لم يعد مجتمعنا كما كان، مجتمعنا اليوم، بات منتجاً لكل الظواهر التي أوجزنا بعضها، ولم نحصها جميعها ... مجتمعنا اليوم بات غريباً عن مجتمعنا بالأمس ... مجتمعنا في حالة تغير، وليس للأحسن دائماً وبالضرورة... مجتمعنا اليوم يتسم بتفاقم مستويات العنف الأفقي فيه، بين أفراده وكياناته الاجتماعية، مجتمعنا اليوم يعاني من «تضخم مرضي في ذكوريته»، فيما أعراض النرفزة والتوتر المصاحبة لمراحل الفطام الأولى عن «ضرع الدولة الحلوب» تتفشى يوماً إثر آخر.. مجتمعنا اليوم، يعاني انسدادات واستعصاءات سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة.. مجتمعنا اليوم، يعاني أعراض الإخفاقات المتراكمة لكثير من الحكومات المتعاقبة. 
وزاد الطين بلّة، أننا في زمن ثورة الاتصالات والمواصلات، فالخبر لم يعد يحتاج يوماً ليصبح مجاناً و»ببلاش»، بل صار يحتاج لدقائق معدودات، وبات في متناول الجميع في لحظته، بمن فيهم الكسالى والمتثائبين فوق أسرتهم وتحت أغطيتهم.
لم يعد ينفع أن نقول «غريبة عن مجتمعنا وقيمنا»، بعد أن فقدنا «ذاك المجتمع»، وهيهات أن نستعيده، واستبدلنا «تلك القيم» بأخرى تفرز بطبيعتها ما نعانيه من ظواهر وندفع ثمنها باهظاً ... 
نحن بحاجة لاستراتيجية شاملة لاجتثاث هذه الظواهر، وإرادة صلبة وحديدية لفعل ذلك، ومنهجية علمية تتخطى أسلوب «الفزعة»، وقبل هذا وذاك، نحن بحاجة لأن نزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

 

arabstoday

GMT 15:19 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

لماذا كل هذه الوحشية؟

GMT 15:17 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

عن حماس وإسرائيل ... عن غزة و"الهدنة"

GMT 15:21 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

لجان الكونغرس تدين دونالد ترامب

GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظواهر وقيم «غريبة عن مجتمعنا» ظواهر وقيم «غريبة عن مجتمعنا»



ياسمين صبري أيقونة الموضة وأناقتها تجمع بين الجرأة والكلاسيكية

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:37 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

تامر حسني وهنا الزاهد ينتهيان من تسجيل أغنية أحلى واحدة
 العرب اليوم - تامر حسني وهنا الزاهد ينتهيان من تسجيل أغنية أحلى واحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 03:28 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

أول عاصفة ثلجية في تاريخ تكساس والأسوء خلال 130 عاما

GMT 15:30 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الاحتلال الإسرائيلي يواصل العملية العسكرية في جنين

GMT 16:20 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

يوفنتوس يعلن التعاقد مع كولو مواني على سبيل الإعارة

GMT 23:16 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نوتنجهام فورست يجدد رسميا عقد مهاجمه كريس وود حتى 2027
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab