بقلم - عريب الرنتاوي
تميزت انتخابات 2006 التشريعية الفلسطينية، ببروز ظاهرة «التصويت الكيدي»...الغاضبون من فتح، والمحبطون من أدائها، والناقمون على فساد وترهل السلطة، منحوا أصواتهم لحماس، إذ حتى الصناديق الموضوعة في مواقع «سيادية» فتحاوية، حوت أصواتاً داعمة لها، ومسيحيون كثر، صوتوا للحركة الإسلامية، لا حباً بحماس، بل نكاية بفتح والحركة الوطنية – العلمانية، التي فتحت أبواب هيئاتها القيادية لزعاماتٍ ورموزٍ منهم.
هذا الوضع سيتغير في انتخابات 2021، مع أن فريقاً من المراقبين ما زال يعتقد بإمكانية بروز ظاهرة «التصويت الكيدي» من جديد، كأن يصوت أهل غزة وناخبوها المتعبين من حماس وسنوات حكمها «العجاف» لصالح فتح، وبهذا يفسرون سر إقبال غزة الشديد على التسجيل في قوائم الناخبين وسجلاتهم، ويستذكرون مناسبات سابقة لفتح، خرجت فيها جماهير القطاع عن بكرة أبيها للالتحاق بالمناسبة...هذا، صحيح، بيد أنه قد يكون صحيحا جزئياً...في 2006، لم يكن الشعب الفلسطيني قد اختبر بعد، حكم حماس وجماعة الإخوان، لكنه اليوم، اختبر ولأكثر من ربع قرن، حكم فتح وسلطتها، وهيهات أن تقنع الجمهور الأعرض والأوسع، بالعودة من جديد للتصويت لها.
البعض الآخر، يقول: قد تخسر حماس قطاع غزة، حيث نجحت في بناء قاعدة واسعة من الغاضبين والناقمين والمتضررين من «سلطة الأمر الواقع»، لكنهم لا يستبعدون أن تفوز في الضفة الغربية، أو حتى في القدس، لكن هذا التقدير بحاجة لما يثبته، طالما أن مجريات الحياة اليومية لأهل القطاع، وقصص حماس وسلطتها، وبعض قراراتها الشاذة في مسعاها لتطبيق «الشريعة»، تصل تباعاً، صوتاً وصورة، لأهل الضفة والعالم برمته...هنا أيضاً، لا بد من اختبار أثر «العامل الإسرائيلي»، وهل سيقامر أهل الضفة بانتخاب حماس، فيلتحقون بمصير أهل غزة، وهل ستسمح إسرائيل لمرشحي حماس، بالوصول زرافات ووحدانا إلى المجلس التشريعي؟
«التصويت الكيدي»، ما زال ممكناً، حتى في انتخابات 2021، لكنه هذه المرة قد يأخذ أشكالاً مختلفة، وربما تفعل «الكيدية» فعلها، ضد القطبين معاً، فتح وحماس، شريطة أن تتقدم قوائم مستقلة وشخصيات وطنية، وربما قوى يسارية، ورموز فتحاوية غاضبة ومتمردة، وشخصيات إسلامية «غير حركية»...قوائم من هذا النوع، إن جرى تشكيلها بعناية، يمكن أن تستقطب أصوات فئات واسعة من الناخبين الفلسطينيين، ممن ملّوا «ثنائية» فتح وحماس، ويرغبون بالتجديد، ويتوقون لرؤية وجوه جديدة، والاستماع للغة جديدة.
ثمة حراك انتخابي متصاعد، في الضفة كما في القطاع، لا تهبط أخباره «برداً وسلاماً» على فريقي الانقسام، وإذا ما أصرّت قيادة فتح على خوض الانتخابات بقائمة موحدة، ومعاقبة كل من يخرج عليها أو يشذّ عنها، فليس من المستبعد، أن تكون قد مهدت الطريق، لقوائم «مستقلة» تتجمع في صناديقها، أوراق الغاضبين والمجددين و»الكيديين» و»الناقمين»، وليس من الحكمة، وربما من السابق لأوانه، إسقاط عنصر «المفاجأة» الكامن هنا، في انتخابات التشريعي الفلسطيني.
هي مؤشرات على حيوية المجتمع والشعب الفلسطينيين، أن تنخرط في انتخابات أيار المقبل، قوى وفعاليات وشخصيات وحراكات جديدة، ومن خارج الرحم «الرسمي» للفصائل...لكن الأهم، أن تكمل هذه القوائم طريقها حتى النهاية، متجاوزة «قطوعات» الترغيب والترهيب، السلطوية، في غزة كما في الضفة، علّ المجلس التشريعي المقبل، يكون وعاءً ومنصة للتعددية الفلسطينية.