عن «الوسطية والاعتدال»

عن «الوسطية والاعتدال»

عن «الوسطية والاعتدال»

 العرب اليوم -

عن «الوسطية والاعتدال»

بقلم : عريب الرنتاوي

لم أعرف عن جماعة دينية، لأي مذهب أو مدرسة من المذاهب والمدارس الإسلامية انتمت، إلا وأسبغت على نفسها لبوس «الوسطية» و»الاعتدال»، وأمعنت في هجاء التطرف والغلو، فالمرجعية الإسلامية في هذا المجال، واضحة وقطعية، إذ حتى المنظمات الإسلامية المصنفة «إرهابية»، بل وأكثرها تطرفاً وغلواً، لا تمتلك إلا الدفاع عن «وسطية الإسلام واعتداله» … اتسع المفهوم وفاض المصطلح، حتى فقد معناه، وبات في الحياة السياسية والواقع المعاش، لا يعني شيئاً على الإطلاق.

المتحدثون عن «الوسطية»، وهم كثر، لا يتوسعون في شرح المفهوم، وتقديم قراءات ملموسة له، تنطلق من واقع حياتنا المُعاش … فما هي النقطة «الوسط» التي نصبح عندها وسطيين، وإن انزحنا عنها يمنة أو يسرة، غدونا متطرفين … عن أي نقطة «وسط» نتحدث في العبادات والمعاملات و»نظريات الحكم في الإسلام» ومنظومة الحقوق والواجبات … هناك جماعات تجيز الخروج على الحاكم، وتصنف نفسها وسطاً، وهناك جماعات تحرم الخروج وتسمي نفسها وسطاً … هناك جماعات تصر على حبس النساء في «قفص الحريم»، فتمنع عنهن حتى امتلاك هوية شخصية ، وتسمي نفسها وسطاً، وهناك من يذهب باسم «الوسطية» في تمكين المرأة إلى حدود قصوى، ولا نقول أقصى الحدود، وتسمى نفسها وسطا … هناك من «الوسطيين» من يكفر إلقاء التحية على غير المسلم، وهناك من يضعه في منزلة المسلمين، والجميع يسمون أنفسهم وسطاً.

نحن بحاجة لخطاب أكثر وضوحاً في ضبط المفاهيم وتعريف المصطلحات، حتى لا نبقى نكرر جملاً مفرغة من أي مضمون، ونعتقد خطأ بأن لها وقعا وتأثيرا على المتلقي … المواطن العربي، يخضع لوابل من هذه المصطلحات، تهب عليه من كل حدب وصوب، بعضها يناقض بعضها الآخر، ويكفر أصحابها وحملتها والمروجين لها، والجميع يدّعي وصلاً بـ «الوسطية»، فما هي الوسطية إذاً، وكيف يمكن تفريقها عن التطرف والغلو؟

أما «الاعتدال» فتلكم قصة أخرى … بعض فقهاء السلاطين لا يرى للاعتدال معنى، غير إطاعة «ولي الأمر»، سواء جاء عبر صناديق الاقتراع أو على ظهر دبابة، وسواء تولى الحكم برغبة شعبه وقبوله ورضاه، أم فرض عليهم بسلطان الدساتير غير المكتوبة غالباً … سواء أكان سلطانا «مدنياً أم عسكرياً، «ولياً فقيهاً» أم ناطقاً باسم «حاكمية الله» وخلافته في الأرض.

أما بعض الناطقين باسم «الإسلام الثوري/ الراديكالي» كما يجري تصنيفهم أحياناً، فهم لا يرون في أي حاكم على وجه البسيطة، ممثلاً لاعتدال الإسلام ووسطيته، بل ويعدون الجميع متورطين في التجاوز على شرع الله، وعدم الحكم بتعاليم السماء، ولن تقوم للأمة قائمة، طالما ظل هؤلاء الحكام متربعين على عروشهم … ومع ذلك، لا يتردد أصحاب هذه المقولة عن التغني بسماحتهم واعتدالهم … مرة أخرى أين نقطة القياس، أين نقطة الوسط والاعتدال؟

لذلك كله، اقترحنا منذ العام 2005، الكف عن استخدام هذه العبارات والمفاهيم الفضفاضة، ونحت مصطلحات جديدة، لتمييز الفرق والجماعة الإسلامية بعضها عن بعض … اقترحنا أن نطلق على تيار من تيارات «الإسلام السياسي – الحركي» وصف «الإسلام المدني – الديمقراطي»، في مسعى للاقتراب من تحديد نقطة «الوسط» و»القياس» … فمن يتبنى من هذه الحركات قيماً مدنية ويقبل بقواعد الديمقراطية المتعارف عليها إنسانياً، صح أن يحمل هذا الوصف، وصح أن نصفه بالاعتدال والوسطية، ومن خرج عليها، مؤثراً تغليب ثقافته «القروسطية»، حلت عليه صفات التطرف والغلو… من ارتضى العيش مع الآخر، وقبوله واحترامه – كما هو – وأعلى من قيمة الإنسان، قبل معتقده وهويته الثقافية الخاصة، جاز أن يدرج في خانة الوسطية والاعتدال، ومن عمل على نشر ثقافة كراهية الآخر والحض على العنف والإقصاء والإلغاء، استحق وصفاً آخر تماماً.

والتعبير الذي نقترح، يتسم بالشمولية، فلا يكفي أن تكون ممن لا يجيزون «الخروج على الحاكم» ويروجون لثقافة «السمع والطاعة» حتى توصف بالاعتدال والوسطية … المعايير لن تتوقف عن حدود السياسة ونظام الحكم، بل تمتد إلى منظومة الحقوق والواجبات، ومفاهيم الثقافة المدنية … كثير من الأنظمة «تطرب» لبعض الجماعات والمدارس الإسلامية، من منظور موقفها المنافح عن الحاكم، وتعطي نظير ذلك، أذنا من طين وأخرى من عجين، لكل مواقف هذه الجماعات وأطروحات تلك المدارس، التي «تسفه» النساء» وتجرم في واقع الحال والممارسة، غير المسلمين، وتقترح على المجتمع أنماط عيش وحياة، لا تليق بإنسان العصر الحديث.

والوسطية، كما الاعتدال، كما كثير من المصطلحات والمفاهيم، تعابير نسبية متغيرة بتغير الزمان والمكان … فما هو «وسطي» اليوم، قد لا يكون كذلك غداً، ومن هو «معتدل» هنا، قد لا يكون كذلك في بلد آخر … فإذا كان حق المرأة في امتلاك هويتها أو رخصة قيادتها، يعتبر أمراً «وسطياً» و»معتدلاً» في بلد، فإنه يصبح «نكتة سمجة» عندما تطالب به في بلد آخر … ومن طالب بحق المرأة في التصويت والترشيح في الانتخابات العامة، قبل مائة عام، كان ثورياً بكل ما للكلمة من معنى، أما اليوم، فالأمر برمته، خرج عن دائرة الاجتهادات، ليدخل دائرة «المسلمات» و»البديهيات».

لا نعني شيئاً محدداً أو ملموساً بقولنا نحن وسطيون ومعتدلون، ولا نقصد الشيء ذاته، عندما نشير إلى وسطية الإسلام واعتداله … ولا يجوز لكسلنا الذهني والفكري، أن يدفعنا للاستسلام لهذه المقولات واستسهال ترديدها، نحن بحاجة لمن يتخطى هذه «العموميات» إلى مداخلات وسجالات في معنى الوسطية والاعتدال في الواقع المعاش، وعلى كافة الأصعدة … بحاجة لتأصيل ثقافتنا المدنية وتعميق فهمنا الديمقراطي وتجذير منظومة الحقوق والواجبات المستمدة من «المواطنة الفاعلة والمتساوية».

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «الوسطية والاعتدال» عن «الوسطية والاعتدال»



تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:33 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 العرب اليوم - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 20:14 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 العرب اليوم - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 03:23 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول المكسرات يوميًا يخفض خطر الإصابة بالخرف

GMT 03:50 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض.. لغة قوية تنتظر التنفيذ

GMT 14:56 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أداة ذكية لفحص ضغط الدم والسكري دون تلامس

GMT 03:43 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ليلة ليلاء؟!

GMT 22:52 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

سامباولي مدرباً لنادي رين الفرنسي حتى 2026

GMT 02:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يعلن أن إيلون ماسك سيتولى وزارة “الكفاءة الحكومية”

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مدربة كندا تفصل نهائيًا بسبب "فضيحة التجسس"

GMT 12:45 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة أنجولو لاعب منتخب الإكوادور في حادث سير

GMT 05:40 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونيخ يتعرض لغرامة مالية بسبب الالعاب النارية

GMT 06:07 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون يعتزم حضور مباراة كرة القدم بين فرنسا وإسرائيل

GMT 20:35 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل البحريني يجتمع مع الملك تشارلز الثالث في قصر وندسور

GMT 22:44 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غرامة مالية على بايرن ميونخ بسبب أحداث كأس ألمانيا

GMT 05:02 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

غارات إسرائيلية تقتل 46 شخصا في غزة و33 في لبنان

GMT 20:55 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

إلهام علي تكشف عن ملامح خطتها الفنية في 2025

GMT 17:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة على أطراف بلدة العدّوسية جنوبي لبنان

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي حاضرة في منافسات سينما ودراما 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab