الجريمة والعقاب

الجريمة والعقاب

الجريمة والعقاب

 العرب اليوم -

الجريمة والعقاب

بقلم : عريب الرنتاوي

الجريمة الموصوفة التي أودت بحياة ناهض حتر، نكراء وغير مسبوقة ... لا مبرر من أي نوع لإهدار دم كاتب أو مثقف أو رسام ... فكيف حين يكون “قصر العدل” هو مسرحاً لتلك الجريمة؟ ... الرصاصات التي أصابت حتر في مقتل، ألحقت أفدح الأذى بالمؤسسة الأمنية والقضائية الأردنية، وضربت بشظاياها الأردنيين جميعاً.

لست ممن يمكن اتهامهم بمحاباة ناهض حتر، فقد كنا على طرفي نقيض في معظم إن لم نقل جميع مواقفنا، في الشأن الداخلي كما في الكثير من شؤون المنطقة وشجونها ... بيد أنني استهجنت ردة فعل “المؤسسة الرسمية” على ما أقدم عليه الراحل من إعادة نشر كاريكاتير يصور فهم الغلاة والمتطرفين الذين نحب أن نسميهم “خوارج”، للحساب والثواب واليوم الآخر و”الجنة التي توعدون”، ومن على قاعدة أن “ناقل الكفر ليس بكافر”.

يومها اعتقدت، أن بعض مسؤولينا ومؤسساتنا، ما زالوا يتحلون بقدر كبير من الاستعداد للخضوع لابتزاز أصحاب الأصوات المرتفعة، وهم مستمرون في خوض مبارياتهم على ملاعب غيرهم، بل ويظهرون ميلهم للظهور في ثياب الكاثوليكية أكثر من البابا نفسه ... القصة ذاتها تكاد تتكرر مع حكاية المناهج والكتب المدرسية.

لكن قضية حتر خرجت عن القواعد التي نعرف لإدارة اللعبة السياسية وتوازنات القوى في البلاد ... هذه المرة، دخل لاعب جديد، الإرهاب العنيف والدامي، لحسم الجدل حول قضية منظورة أمام الرأي العام، قبل أن تكون منظورة أمام القضاء، في سابقة غير مألوفة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية الأردنية، وتنذر بأوخم العواقب، وسيكون لها ما بعدها.

صحيح أن الأردن سبق وأن شهد بعض عمليات الاغتيال والتفجير، وهو فقد رئيسي حكومة في ستينيات القرن الفائت وسبعينياته، لكن فقدهما جاء في ذروة صراع إقليمي / دولي زمن الحرب الباردة، ولم يندرج في سياق نزاعات محلية أو تباين في الرأي والاجتهاد ... والأردن شهد عمليات اغتيال أو محاولات اغتيال نفذت على أرضه (اغتيال فهد القواسمي على يد جماعة أبو نضال في العام 1984 ومحاولة اغتيال خالد مشعل على يد الموساد الإسرائيلي عام 1997)، ولكن في كلتا الحالتين كانت الأردن مسرحاً لجريمة، لم تستهدفه مباشرة، وإن كان أمنه وسيادته عرضة للاستهداف غير المباشر.

وخلال السنوات العشرين الفائتة، وقع عدد من جرائم العنف الإرهابية استهدفت مقار أمنية وأجانب وأهداف أمنية رخوة، وتم الكشف عن أضعافها قبل إتمام تنفيذها بفعل يقظة الأجهزة الأمنية، بيد أنها جميعها، اندرجت في سياق الإرهاب والحرب عليه، ولم يدخل أي منها في سياق إسكات المخالف أو معاقبة الخصم، او تصفية الحسابات الداخلية على الإطلاق... وفي السياق ذاته، جاءت التهديدات التي تعرض لها مدير أسبق لمهرجان جرش وكاتب ومحلل سياسي في العام 2005 على يد جماعية “جهادية” عرفت باسم “خلية الطحاوي”.

نحن إذن، أمام جريمة اكتملت أركانها للمرة الأولى، تستدعي موقفاً حازماً من قبل الحكومة، التي يحملها قسم من الرأي العام الأردني، المسؤولية عن التقصير في مواجهة التحريض والتهديد، والتردد في الضرب بيد من حديد على يد المتطاولين على القانون وعلى حياة الناس وحقوقهم وحرياتهم ... مثلما تستدعي موقفاً شعبياً موحداً، يذكر بالوحدة الوطنية بأرقى تجلياتها، كما تجلت زمن الاعتداء على الفنادق الثلاثة واستشهاد معاذ الكساسبة.

لكن من أسف، من يقرأ ويتابع ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يجد قطاعاً عريضاً من الناشطين على تلك الشبكات، يتعاطف مع القاتل ويتضامن معه ويبرر فعلته ويدعو له بالفرج القريب، بل ويصفه بالبطل، فيما أقذع الصفات تلصق بالضحية... هذه المرة لسنا موحدين أبداً في مواجهة الجريمة والإرهاب المنظم، وتلكم ظاهرة تستحق التوقف.
أعرف أن الراحل كان كاتباً إشكالياً، وله من العداوات في البلاد أكثر مما له من الصداقات، لكن من المخجل استحضار هذه الخلافات والمناكفات، في لحظة تستدعي التوحد حفاظاً على أمن الأردن واستقراره، وصوناً لوحدة الأردنيين وحماية لنسيجهم الاجتماعي ... من المؤسف أننا كلما اكثرنا من الحديث عن محاربة التطرف، كلما ازداد تغلغلاً وتجذراً في أوساطنا، وكلما تحدثنا عن التحديث والعصرنة والإصلاح، كلما اشتدت رياح المقاومة والممانعة ضد التغيير والتحديث والتجديد، لكأننا نسير في طريقنا متعاكسين تماماً، وتلكم “هبة” من الحكومات المتعاقبة، التي أعطت أذنا من طين وأخرى من عجين، لكل النداءات والمطالبات الحاثّة على انتهاج سياسة أكثر حزماً وشمولاً في التصدي للظاهرة واستئصالها.

وأسوأ ما يمكن أن تنتهي إليه التحقيقات في جريمة اغتيال ناهض حتر، الاكتفاء بالتعرف على هوية القاتل ودوافعه واعترافاته، فالحكم على رجل واحد في الجريمة النكراء، ليس كافياً، وأياً كانت العقوبة التي ستتنزّل عليه ... المقصرون في توفير الأمن والحماية للضحية، يجب أن يحاسبوا، والذين تعاملوا بإهمال واستخفاف مع التهديدات يجب أن يتحملوا أوزار فعلتهم، والمشاركون في التحريض والتجييش، أياً كانت دوافعهم، يجب ان يدفعوا ثمن مواقفهم ... ناهض حتر ليس ضحية رصاصات الغدر، أياً كان عددها ... ناهض حتر ضحية سياسات وإجراءات ومناهج في الإدارة، باتت تسمح بوقوع مثل هذه الأعمال الإجرامية ... أليست وفاة فتاة جراء الإطلاق الغزير للنار بمناسبة الكشف عن نتائج الانتخابات جريمة موصوفة كذلك، سيما بعد قول الملك بأنه يتعين على الأجهزة أن تلقي القبض على مطلقي النيران العشوائية في المناسبات، حتى وإن كان نجله من بينهم؟!

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجريمة والعقاب الجريمة والعقاب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab