رسائل من «التنف»

رسائل من «التنف»

رسائل من «التنف»

 العرب اليوم -

رسائل من «التنف»

بقلم - عريب الرنتاوي

ثمة رسائل لا تخطئوها العين، بعثت بها الطائرات الأمريكية التي أغارت على رتل للجيش السوري “والقوات الرديفة” كان متجهاً إلى معبر “التنف” الحدودي بين سوريا والعراق، وعلى مبعدة أقل من ثلاثين كيلومتراً منه ....لكن قبل الشروع في “حديث الرسائل”، ثمة ملاحظات لا بد من استحضارها:

الأولى؛ أنها المرة الأولى، بعد ضربة الشعيرات، التي تعلن فيها الولايات المتحدة، عن استهداف مواقع ووحدات للجيش السوري، عمداً وعن سبق الترصد والإصرار، وليس صدفة أو عن طريق الخطأ ...  بل أن المعلومات تشير إلى قيام الطائرات الأمريكية بتوجيه ضربات تحذيرية لهذه القوات لدفعها للتراجع، لكن عندما لم تستجب، جرى التعامل معها وفقاً للقواعد الأمريكية للاشتباك، كما يقال عادة في مثل هذه الظروف.

ثانياً؛ أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها واشنطن لوحدات سورية في هذا النطاق ... يقال إن طائرات أمريكية سبق وأن اعترضت طائرات لسلاح الجو السوري، اقتربت من سماء “التنف” ومحيطها، قبل أن تعود أدراجها، ليقفل الملف عند هذا الحد، أقله حتى إشعار آخر.

ثالثا؛ أن الأسابيع والأشهر القليلة الفائتة، شهدت سباقاً محموماً بين المحورين المتصارعين في سوريا وعليها، من أجل الوصول إلى الحدود السورية – العراقية، وإحكام السيطرة عليها ... وهو السباق المرشح للتصاعد في الأيام والأسابيع القادمة، وبما يحتمل تكرار اشتباكات وصدامات من هذا النوع، وسط معلومات تؤكد أن محور إيران ودمشق، ومن ينخرط فيه من القوى والمليشيات المسلحة، كان حسم أمره واتخذت قراره، بضرورة السيطرة على كامل الخط الحدودي، فإن تعذر الأمر، فعلى جزء منه على أقل تقدير.

رابعاً؛ لم يبق السباق على الحدود المذكورة حكراً على القوى الفاعلة على الأرض وفي الأزمة السورية فحسب، فقد شهدنا دخول العراق، حكومة وحشداً شعبياً على خط السباق المحموم، وإعلانات قادة الحشد بفتح معركة البعاج والترتيبات للأنبار ومثلث القائم، جميعها تطورات تشي باتساع نطاق التصعيد، ولقد طرأ تطور مهم في الآونة الأخيرة، إذ لم تعد التصريحات بهذا الشأن تنطلق من أفواه قادة الحشد والميليشيات الموالية لإيران فحسب، بل لقد حملت زيارة مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة العراقية فالح الفياض إلى دمشق، وما تخللها من بحث في آفاق التعاون  والتنسيق بين جيشي البلدين لضبط الحدود والسيطرة عليها، إرهاصات تعاون رسمي ثنائي بتشجيع من إيران ورعاية منها.

تدلل الواقعتان السابقتان (اعتراض الطائرات السورية وقصف القافلة) على أن واشنطن وحلفاءها، متشبثون بعدم السماح لقوات النظام وحلفائه بالوصول هذا النطاق أو التمركز فيه، من ضمن رؤية أمريكية أوسع وأشمل، تهدف إلى الفصل بين سوريا والعراق، والإمساك بخط الحدود بينهما، وقطع الطريق على “الحزام البري” الذي تتطلع إيران لإقامته بين البلدين، واستتباعاً بين بحري قزوين والمتوسط، وهو هدف معلن على أية حالة، وحكاية الوجود العسكري الأمريكي – البريطاني على هذا المحور، والترتيبات التي تتخذ على الجبهة الجنوبية، لم تعد خافية على أحد، ولا تنتمي إلى عالم “أسرار الحرب”.... الرسالة الأمريكية لا تخفى على أحد، وهي تسيّج المنطقة الحدودية بخط أحمر أمريكي لا يجوز الاقتراب منه بحال من الأحوال، ودائماً من ضمن استراتيجيات إقليمية ودولية لتكريس مناطق “تقاسم النفوذ” في سوريا، وتوزيعها على اللاعبين الإقليميين والدوليين.

الموقف الروسي كان لافتاً للغاية ... موسكو خارج دائرة التنسيق الإيراني – السوري على هذه الجبهة، وهي انتقلت فوراً من موقع الحليف الموثوق للنظام إلى موقع “الناصح الأمين” الذي يحث “الأطراف على ضبط النفس” ويدعو للتنسيق بين “التحالف ودمشق” كيلا تتكرر أحداث من هذا النوع، تسهم في حرف الحرب الدائرة عن هدفها الرئيس: محاربة الإرهاب.

موسكو التي سبق أن سلمت بخضوع شمال شرق سوريا للنفوذ الأمريكي، تقبل على ما يبدو بان يتمدد هذا النفوذ إلى خط الحدود شرقاً، وامتداداً حتى الجبهة الجنوبية، التي اقترحتها موسكو منطقة “تخفيف صراع”، خالية من الإرهاب السني والميليشيات الشيعية.

نحن لا ندري كيف سيتصرف الطرفان الإيراني والسوري بعد هذه الواقعة ... التجربة والخبرة المستمدة من حربي العراق ولبنان، تسمح بالاعتقاد بأنهما سيعتمدان سياسة “الصبر الاستراتيجي”، وانتظار تحولات السياسة والميدان والتحالفات، واعتماد تكتيك القضم المتدرج والاستنزاف طويل الأمد، لكن المؤكد أن الحليفين كليهما ليسا في وارد فتح جبهة واسعة على امتداد مناطق النفوذ الأمريكي هذه، والمؤكد أنهما لن يجدا في روسيا حليفا لهما إن هما فكرا في ذلك، بانتظار ما يمكن أن يؤول إليها مسار المفاوضات والحلول السياسية أو ما يمكن أن يأتي به الميدان من تطورات وتبدلات في حركة القوى وتوازناتها... أليست هذه هي قصة المواجهة مع الوجود الأمريكي في العراق (2003 – 2011) والإسرائيلي في جنوب لبنان (1982 – 2000)؟!

 

arabstoday

GMT 05:55 2016 الأربعاء ,22 حزيران / يونيو

عندما تصبح الأخبار إعلان وفاة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل من «التنف» رسائل من «التنف»



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية
 العرب اليوم - عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم
 العرب اليوم - القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة
 العرب اليوم - ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان

GMT 10:02 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

اثنان فيتو ضد العرب!

GMT 11:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد صلاح يعبر عن استيائه من إدارة ليفربول ويقترب من الرحيل

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab