تمويل الأحزاب

تمويل الأحزاب

تمويل الأحزاب

 العرب اليوم -

تمويل الأحزاب

بقلم : عريب الرنتاوي

في الأنباء، غير السارة بالطبع، أن الحكومة قلصت إجمالي الدعم المالي المرصود للأحزاب السياسية بنسبة 50 بالمائة، ليهبط من خمسة ملايين دينار سنوياً إلى مليونين ونصف المليون دينار لعام 2017 … وفي الأنباء غير السارة أيضاً، أنه تمت إحالة أمينين عامين لحزبين سياسيين إلى القضاء، بتهم تراوح ما بين الاحتيال وسوء الائتمان … الأمر الذي يستدعي وقفة أمام موضع تمويل الأحزاب السياسية من جديد.

وأبدأ بالتذكير، بأن “حق الأحزاب في الحصول على نصيب من المال”، موضوع حظي باهتمام كبير منذ استئناف الحزبية والبرلمانية في الأردن عام 1989، وخاضت الأحزاب ومعها مؤسسات مجتمع ومراكز بحث ونشطاء، سلسلة من “المعارك” من أجل انتزاع هذا الحق وتثبيته، باعتباره تجسيداً لحق الأردنيين في تشكيل أحزابهم وجمعياتهم، وليس ميزة خاصة لنفر منهم، وهو حق كفله الدستور ونظمته القوانين، وليس منّة من الحكومة، تغدق بها على من تشاء وتحجبها عمن تشاء.

إلى أن وصلنا العام 2007، حيث تضمن قانون الأحزاب السياسية رقم 19 بنداً يشتمل على هذا “الحق”، وأحال تفاصيل التمويل ومعاييره (شروطه) إلى نظام خاص، يعده الوزير المختص ويصادق عليه مجلس الوزراء … ومنذ ذلك الحين والأحزاب المسجلة (المرخصة بموجب القانون)، تتلقى خمسين ألف دينار، على دفعتين، إن استوفت شرط الخمسمائة عضو (مؤسس في حينها)، موزعين على عدد من المحافظات (جرى تعديلها في القانون رقم 16 لسنة 2102)، ومن ضمنهم 10 بالمائة من النساء.

شجع القانون على تشكيل عدد متزايد من الأحزاب، ستقارب الأربعين حزباً، عشية صدور القانون الجديد (رقم 39 لسنة 2015)، الذي خفف شروط “الترخيص/ التسجيل”، وأبقى على قيود التمويل على حالها … خلال السنة الأولى من عمر هذا القانون، تكاثرت الأحزاب بمعدل حزب واحد شهرياً، و”الحبل على الجرار”.

لدينا من المعطيات والدلالات، ما يكفي للبرهنة على أن عدداً غير قليل من هذه الأحزاب، متورط في عمليات “تجنيد” وهمية، وعضوية على الورق، خصوصاً في المجال النسائي … لدينا أقاويل عن عمليات شراء لأعضاء مؤسسين، بمبالغ زهيدة، تماماً مثلما تجري عمليات شراء أصوات الناخبين ولاحقاً المرشحين لتشكيل القوائم، … يبدو أن مروحة المتورطين في عمليات “الشراء” في تزايد مستمر، وتشمل قطاعات متزايدة.

الحكومة تعرف ذلك جيداً، ولديها من المعطيات أكثر مما لدينا، وزارة الداخلية من قبل، ووزارة الشؤون السياسية والبرلمانية من بعد، تعرف عن أحزاب بالكاد تعادل عضويتها حمولة لـ “مايكرو باص” واحد، وفي أحس الأحوال “كوستر” واحد، من غير تلك العاملة على خط عمان – الزرقاء التي اعتادت تحميل ضعف حمولتها القانونية … لكن الحكومات المتعاقبة أعطت أذنا من طين وأخرى من عجين، لكل هذه الخروقات، أحياناً لنوايا حسنة ذات صلة بتدعيم الحياة الحزبية، وتارةثانية، بنوايا غير حسنة، لها علاقة بـ “توظيف” بعض هذه الأحزاب واستخدامها، كلما اقتضت الضرورة ذلك، وتارة ثالثة للبرهنة على نظرية غريبة عجيبة، مفادها أن الشعب الأردني لم ينضج بعد للعمل الحزبي، ودائماً في سياق “شيطنة” الأحزاب والتقليل من مكانتها في نظامنا السياسي.

اليوم، تحيل الحكومة حزبين للقضاء، وليست لدينا مشكلة في ذلك، ونحن من المؤمنين بعدالة القضاء الأردني ونزاهته، ولا أحد فوق القانون، بيد أننا نرغب أن تكون تلك “دفعة أولى” على الحساب، فنحن نعرف أن هناك أحزباً وهمية، ونحن سمعنا من مصادر مطلعة عن “مال عام” أنفق في غير الغايات التي حددتها قوانين الأحزاب وأنظمة التمويل ذات الصلة.

والأهم، أننا نريد أن نرى تعديلاً جوهرياً، على نظام تمويل الأحزاب، يعتمد معايير مشتقة أساساً من”تمثيلية” الحزب السياسي، في البرلمان والمجالس البلدية ومجالس المحافظات والنقابات والهيئات المنتخبة … وأن يتضاعف هذه التمويل، وأن يكون متكرراً طيلة سنوات الدورة الانتخابية (للبرلمان أو المجالس الأخرى المنتخبة)، وليس لمرة واحدة (مقطوعة) فقط… نريد للنظام المالي الجديد، الذي يجري التفكير بتطويره واستحداثه، أن يشترط “الشفافية المالية” في عمل الحزب السياسي، كأن يقوم بنشر ميزانيته السنوية على موقعه الالكتروني على الأقل، أو على موقع الوزارة المختصة، طالما أن ما يقرب من نصف الأحزاب السياسية الأردنية ليس لديها مواقع الكترونية.

نعرف أن الحكومة مؤمنة بهذا المعيار، لكن ما يحول دون تنفيذه، أن حزباً واحداً فقط سيكون المستفيد الوحيد أو المستفيد الأكبر من التمويل، و”صدف” أنه حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض، وهذا ما لا تريده الحكومة بالطبع … لذلك نراها تلجأ إلى معايير وشروط أخرى، تكفل توزيع المال على عدد أكبر من الأحزاب … وهذا السبب بالذات، كان “عاملاً حاكماً” عند صياغة قانون الانتخاب، وتوزيع الدوائر الانتخابية وتبني نظام أعلى البواقي في قانون الانتخاب لسنة 2016.

أياً كانت درجة جدية ووجاهة المبررات الحكومية لاعتماد معايير التمويل أو عند “هندسة قانون الانتخاب”، فإن النتيجة الوحيدة المترتبة على هذه المقاربة، هي الإمعان في تفتيت الأحزاب، وتغييب أي دافعية سياسية أو مالية لإدماجها أو توحيدها، ما يعني ببساطة، إبقاء النظام (أو بالأحرى اللانظام) الحزبي الأردني قائماً على ساق واحدة… وهذا أمر يرقى إلى مستوى الحقيقة الثابتة بعد أكثر من عقدين من تجريب المجرب، ولم تعد المسألة مجرد وجهة نظر، قابلة للخطأ والصواب.

بعد اليوم، نريد أن نرى دوراً لـ “ديوان المحاسبة” في الرقابة على ميزانيات الأحزاب السياسية، وهو أمر لا يحتاج أكثر من كتاب يصدر عن رئيس الحكومة لهذه الغاية … ونريد أن نرى مسطرة واحدة في التعامل مع الأحزاب السياسية، فالمؤكد أن الحزبين اللذين أحيلا إلى القضاء، ليسا وحدهما من يستحق ذلك، وسيادة القانون على جميع الأحزاب بالدرجة ذاتها من الجدية والصرامة، أمرٌ لا يجوز المساومة فيه أو عليه.

المصدر : صحيفة الدستور

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمويل الأحزاب تمويل الأحزاب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 19:56 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع
 العرب اليوم - البرهان يؤكد رفضه أي مفاوضات أو تسوية مع قوات الدعم السريع

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 22:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تتجه نحو اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان

GMT 21:25 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

هوكشتاين يُهدّد بالانسحاب من الوساطة بين إسرائيل ولبنان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab