بقلم - عريب الرنتاوي
من بين جمهرة الباحثين الذين تناولوا «الدولة الواحدة»، ثمة فريق يمكن أن نطلق عليه فريق «التسوية التاريخية» بين الإسرائيليين والفلسطينيين...تتسم رؤية هذا الفريق، بطابعها «الطوباوي» وفقاً لمنتقديها، لكنها ترسم من وجهة نظر أصحابها، «خط النهاية» لأكثر الصراعات الدولية استعصاءً، وترتكز رؤية هذا الفريق على أركان خمسة أهمها:
الأول؛ أن المشروع يعرض «مصالحة تاريخية» بين الجانبين، واعترافا متبادلا بحقوق للشعبين في فلسطين التاريخية. الأمر سيكون قاسيا على الفلسطينيين الذين وإن كانوا يعترفون بوجود تاريخي لليهود في فلسطين، إلا أنهم لا يعترفون بحق هؤلاء في دولة (بالأخص يهودية)، ومن نافل القول، إنهم لا يعترفون بـ»حق» عودتهم إلى هذه الديار...والأمر سيكون بمثابة مراجعة تاريخية صعبة للفكرة الصهيونية التي تأسست على فرضية «شعب بلا أرض، لأرض بلا شعب»...المصالحة التاريخية ليست خيارا سهلا لأحفاد «الهولوكوست» و»النكبة»، وبالأخص على الفلسطينيين، حيث إن الأولى ليست من صنعهم، فيما الثانية، «نكبتهم»، من صنع الإسرائيليين...الأولى باتت جزءاً من التاريخ، أما الثانية، فمستمرة كواقع مُعاش.
الثاني؛ ينهض المشروع على مفهوم «المواطنة المتساوية»، «صوت واحد للشخص الواحد»، وضمان الحقوق والواجبات، الـ «فوق دستورية» ـ حرية الاعتقاد والحق في العمل واختيار مكان السكن والسفر والتنقل والصحة والتعليم، في إطار دولة مدنية ـ ديمقراطية ـ علمانية، وحقوق «وطنية - جمعية» للشعبين، وحقوق دينية وثقافية لجميع الأقليات والكيانات والمكونات، ولغتين رسميتين، وعاصمة موحدة، وإدارات خاصة للأماكن المقدسة، يمارسها أتباع الديانات الثلاثة، وفقا لترتيبات تضمن حرية ممارسة الشعائر والعبادات للجميع من دون استثناء.
الثالث؛ لا حاجة لرسم خرائط داخلية للانتشار الفلسطيني والإسرائيلي داخل حدود الدولة الواحدة»، المعرّفة حدودها الخارجية بحدود «فلسطين التاريخية»، لكن النظام السياسي الجديد يمكن أن يتشكل وفقاً لاعتبارات الديموغرافيا المركبة، فيتشكل من أطر دستورية، تكفل عدالة التمثيل وعدم تغوّل أغلبية على أقلية، وتعطي كل مكون، الحق في تدبر شأنه الديني والثقافي والاجتماعي العام.
الرابع؛ كفالة «حق العودة» لجميع الفلسطينيين إلى فلسطين التاريخية، وليس لليهود فقط، وفقاً لـ»قانون العودة الإسرائيلي» الذي يتيح لكل يهودي حقاً غير مشروط بالانتقال إلى إسرائيل، الحديث هنا يدور حول -13-15 مليون فلسطين ويهودي خارج فلسطين، لا يعني أنهم جميعا سيعودون فعليا، لكن حقهم في العودة محفوظ...وفلسطين التاريخية، تتوفر على قدر من المساحة والموارد الطبيعية والبشرية، ما يؤهلها لأن تتخطى سنغافورة بملايينها الستة المقيمين على رقعة جغرافية لا تزيد عن ضعف مساحة الشريط الضيق المسمى: قطاع غزة.
الخامس؛ في إطار هذا الحل، تصبح قضية «الاستيطان»، وهي الملف الشائك في مختلف مراحل التفاوض والعقبة الكؤود في طريق أية تسوية، أقل حدة، إذا ستتحكم المعايير الاقتصادية والاجتماعية بالحراك السكاني الداخلي، وبالإمكان إنشاء عدة مدن كبرى في مناطق عديدة ( الضفة والنقب مثلا) كفيلة بالاستجابة لمعدلات النمو السكاني الطبيعي واستيعاب العائدين وتخفيف الضغط عن مناطق الكثافة السكانية، وفي إطار هذا الحل الذي سيجمع التكنولوجيا والمال الإسرائيليين بالمال والموارد البشرية الفلسطينية، تصبح قضايا أخرى مثل المياه والطاقة ليست عوائق ذات مغزى، ثم أن مئات القرى والبلدات الفلسطينية المهجورة والمهدومة، ما زالت «تصفر للريح»، وأمر تأهيلها ليس مهمة صعبة.
قد يبدو هذا التصور للدولة الواحدة «طوباويا»، بيد أن أصحاب هذه المدرسة، يرون أن الانهيارات المتلاحقة لمختلف الصيغ والمبادرات الأخرى، واصطدامها جميعها بعجزها عن الوصول إلى معادلة تنهي مطالبات الطرفين، وتضع خاتمة لقرن من الصراعات والحروب والانتفاضات المتعاقبة، تجعل التفكير «خارج الصندوق» أمرا ضرورياً بل ومشروعاً.