بقلم - عريب الرنتاوي
رياح «تصالحية» جديدة، تهب على العلاقات العربية – التركية، تسهم في تخفيف حدة التوتر، وتحفز البحث عن «مشتركات»...رسائل الغزل المتبادلة، تنبعث من أنقرة والقاهرة والرياض، وستتبعها حتماً رسائل مماثلة، من عواصم عربية أخرى، إن سارت الأمور على ما يرام...يبدو أن الأطراف تشعر بالإنهاك جراء تفشي حروب الوكالة واستطالتها، ويبدو أننا أمام واحدة من الديناميكيات التي أحدثها فوز بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة.
مذ أن انتهجت القاهرة، مقاربة جديدة في ليبيا، وأرسلت بوفد سياسي – أمني رفيع المستوى إلى طرابلس الغرب، وتحادث وزير خارجيتها مع نظيره الليبي، واعداً باستئناف عمل السفارات والخطوط الجوية، بدا أن صفحة جديدة، قد فُتحت، أو هي بصدد أن تُفتح، بين القاهرة وأنقرة...في هذه الأثناء، كان سيل التكهنات لا يتوقف عن التدفق، حاملاً معه، أنباءً عن حوار نشط في القنوات الأمنية والدبلوماسية الخلفية بين البلدين، من دون أن يخلو الأمر، من تصريح إيجابي هنا وعرض بتطوير العلاقات هناك، إلى أن بلغنا حد الدعوة إلى ترسيم الحدود البحرية من البلدين، وهو أمر، إن تم، أو شرع الجانبان في العمل على إتمامه، سيَفتح الباب رحباً، لتبديد تداعيات «التدخل العسكري» التركي في ليبيا، وربما يشكل مقدمة لإدماج تركيا في مبادرة غاز شرق المتوسط، التي انطلقت من القاهرة.
أما الرياض، فقد بدا أن «قمة العشرين» وفرت لها مناسبة لإذابة الجليد الذي اعتلى سطح علاقاتها مع أنقرة...الاتصال الهاتفي بين الملك سلمان والرئيس أردوغان، فتح الباب أمام جولات لاحقة من الاتصالات، ولقاء وزيري خارجية البلدين على هامش مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامي، كان خطوة على طريق شائك وطويل، فيما رسائل الغزل المتبادلة بين البلدين، لا تكاد تنقطع، والعروض التركية بخاصة، ما زالت تنهمر على الرياض، لإعادة الأمور إلى نصابها.
آخر التسريبات، ولا ندري حتى الآن، إن كانت «معلومة» أم «شائعة»، تتحدث عن «فرصة « تعاون تركي – سعودي في اليمن...يبدأ بصفقة طائرات تركية من دون طيّار، يبدو أن الرياض مهتمة بشرائها، بعد أن أظهرت فاعليتها في ليبيا وأذربيجان...والبلدان يعترفان بـ»شرعية» عبد ربه منصور هادي، وكلاهما يحتفظ بعلاقات متفاوتة، مع التجمع اليمني للإصلاح، صديق الأتراك، وغريم الحوثيين، الذي يقاتلهم تحت راية «الشرعية» وفي ظلال «التحالف».
والطرفان، يبديان قلقاً من مقاربات إدارة بايدن، تحديداً في ملف حقوق الانسان، والانتقادات التي ما فتئت هذه الإدارة توجهها لكلتيهما، والأرجح، وفقاً للمراقبين، بأن التعاون الثنائي لاحتواء «اندفاعة» الإدارة الأمريكية، ربما يكون حافزاً إضافياً للتقارب.
ومثلما كانت ليبيا بوابة مصر، لتدشين «حوار» معلن وخفي، مع تركيا، فإن المصالحة الخليجية، جعلت من قطر هذه البوابة بالنسبة للسعودية، ففي مناخات التحسن المضطرد للعلاقات السعودية – القطرية، يبدو من نافل القول، أن العلاقات بين تركيا والمملكة، مرشحة لمرحلة من الهدوء، وقد تلعب قطر دوراً في هذا المجال.
يُبقي الانفراج في علاقات كل من مصر والسعودية مع تركيا، دولة الإمارات أمام واحد من خيارين: إما السير في الطريق ذاته، أو الإبقاء على مواقفها القديمة من تركيا ودورها وعلاقاتها بإخوان المنطقة... الإمارات، حتى في ذروة تأزم علاقاتها مع تركيا، كانت شريكاً تجارياً مهماً لها، ليس بأقل من ثمانية مليارات دولار سنوياً، وأبو ظبي أبرقت برسائل استعداد لتحسين العلاقات، غلفتها بالحاجة لتبديد الشكوك والمخاوف...هذه عقبات، وكثيرٌ غيرها، لم تحل دون حدوث بعض التحسن في علاقات القاهرة والرياض مع أنقرة، والأرجح أنها لن تقف حائلاً دون «تطبيع» العلاقات بين أبو ظبي والعاصمة التركية.