نهاية غامضة لرجل غامض

نهاية غامضة لرجل غامض

نهاية غامضة لرجل غامض

 العرب اليوم -

نهاية غامضة لرجل غامض

بقلم : عريب الرنتاوي

روايات ثلاث لحادثة مقتل القيادي في حزب الله مصطفى بدر الدين ... الأولى؛ رسمية، صادرة عن الحزب ذاته، وتتهم “تكفيريين” بمقتله، في قصف مدفعي من الغوطة الشرقية لدمشق ... الثانية؛ غير رسمية، وصدرت عن جهات مؤيدة للحزب وأخرى معارضة له، وتحمّل إسرائيل المسؤولية عن الواقعة، جرياً على عادة إسرائيل، وتأسيساً على عمليات مشابهة وقعت من قبل واستهدفت رجالاً ومواقع وقوافل للحزب ... أما الثالثة؛ فاتهامية، صدرت عن جهات سورية معارضة، وأيدتها قوى لبنانية، اعتادت تحميل الحزب المسؤولية عن كل شيء، بما في ذلك حوادث الطرق؟!

ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها قيادي كبير من الحزب بوزن “الرجل الغامض” الذي وصفته المحكمة الدولية الخاصة بـ “الشبح”، لعملية اغتيال في سوريا، سبق للحزب أن فقد قياديين بوزن عماد مغنية ونجله جهاد وعميد الأسرى العرب في إسرائيل سمير قنطار، بيد أنها المرة الأولى التي يمتنع فيها الحزب عن توجيه الاتهام لإسرائيل، مع أن مصادر إعلامية مقربة منه، سارعت إلى توجيه الاتهام للمخابرات الإسرائيلية جرياً على مألوف عمليات من هذا النوع .... وهي المرة الأولى، التي تحجم فيها فصائل المعارضة المسلحة السورية عن ادعاء المسؤولية عن عملية من هذا النوع وبهذا الوزن،وهي التي طالما أعلنت مسؤوليتها عن كل عملية استهدفت موقعاً أو هدفاً للحزب، بما فيها تلك العمليات التي أعلنت إسرائيل رسمياً مسؤوليتها عنها.... ومما زاد في غموض وتعدد الروايات حول حادثة اغتيال بدر الدين، أن الرجل مدرج على لائحة المحكمة الدولية الخاصة للمطلوبين في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، وأسمه مدرج كذلك على لوائح المطلوبين في كل من الكويت والسعودية ودول أخرى، ودائماً بتهم الاشتراك في تنظيم وتنفيذ عمليات إرهابية استهدفتها.
في تحليل الروايات الثلاث نقول:

الراوية الأولى، تعاني من نقاط ضعف بيّنة، منها أن عملية من هذا النوع، تحتاج إلى جهد واقتدار استخباريين لا تتوفر عليهما فصائل الغوطة، هنا تُطرح أسئلة من نوع: هل وفرت جهات استخبارية إقليمية أو دولية مثل هذه المعلومات للمسلحين الذي بادروا إلى فتح نيران مدافعهم على موقع حزب الله “قرب مطار دمشق”؟ ... هل ثمة خرق أمني في الشبكة المحيطة بـ “الشبح”، وهل الخرق في صفوف الحزب أم في صفوف حلفائه كما أشيع أكثر من مرة، وتحديداً عندما اغتيل عماد مغنية؟ ... المدفعية ليست سلاحاً دقيقاً مستخدماً في تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات مهمة، مثل هذه العمليات غالباً ما تنفذ بصاروخ من الجو أو صاروخ أرض – أرض شديد الدقة أو تفجير من الداخل.

زاد في تعقيد المسألة أن أيٍ من فصائل الغوطة لم يعلن مسؤوليته عن العملية، والفصائل منشغلة منذ عدة أسابيع باقتتال داخلي دامٍ، أوقع مئات القتلى في صفوفها، والجيش السوري يتقدم بطيئاً على بعض محاور هذه الجبهة، جميع هذه الظروف والملابسات، دفعت كثيرين إلى التشكيك في صحة هذه الرواية.

الرواية الثانية، وتضع إسرائيل في دائرة المسؤولية والاتهام عن هذه الفعلة، استناداً إلى سجلات حرب التصفيات المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، وإلى “سوابق” خطيرة ومهمة، وهي سهلة التصديق لا بحكم “العداوة المستحكمة” بين الجانبين فحسب، بل ولأن إسرائيل أكثر من غيرها من دول المنطقة و”استخباراتها” تمتلك الرغبة والإرادة والقدرة على تنفيذ عمليات من هذا النوع، وبدرجة عالية من الدقة في معظم الحالات إن لم نقل جميعها ... لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: لماذا يُقدم الحزب على “تبرئة” إسرائيل، إن كانت هي المتورطة فعلاً في قتل أحد قادته البارزين؟ ... هل الحزب من السذاجة حد الافتراض بأن إسرائيل ستتواطأ معه في تمرير روايته والتغطية على دورها في الحادثة؟ ... حزب الله يعرف إسرائيل أكثر من كثيرين غيره من أحزاب المنطقة وحكوماتها، فكيف يقع في “فخ” كهذا، وكيف يقامر بصدقيته أمام جمهوره على الأقل، وهو الذي طالما فاخر بشفافيته وصدقيته في التعامل مع بيئته؟ ... هل بلغ مأزق الحزب و”حرجه” جراء عمليات الاستهداف الإسرائيلية المتكررة لقادته، حد الوقوع في “مطب” كهذا؟ ... هل بلغ الحزب وضعاً يتعذر معه التفكير بأي رد جدي على إسرائيل انتقاماً لعدوانها على أحد قادته، فآثر “توزيع دم بدر الدين على القبائل السورية المسلحة”، بدل إلقاء اللائمة على إسرائيل، ومواجهة “حرج” الامتناع عن الرد المباشر، والاكتفاء بالعبارة التي باتت غير مقنعة لأحد: “نحتفظ بحقنا في الرد في المكان والزمان المناسبين”؟

الرواية الثالثة، وتتحدث عن جريمة موصوفة، أركانها محصورة في داخل الحزب ودائرة حلفائه الأقربين ... هناك من ألمح إلى رغبة في إغلاق ملف الحريري وسيناريو “قتل الشهود”، فتكون العملية بمجملها امتداداً لعمليات نحر وانتحار عدد من الجنرالات السوريين الذين ذكرت أسماءهم في التحقيقات حول جريمة الرابع عشر من شباط 2005 .... هناك من أدرج الواقعة في سياق صراع حلفاء الخندق الواحد، امتداداً لنظريات حاولت تفسير اغتيال عماد مغنية (12 شباط 2008) بالأدوات ذاتها... وربما يكون “المخيال السياسي” قد ذهب ببعضهم إلى حد إدراج العملية في سياق تناقض المواقف بين روسيا من جهة وكل من دمشق وطهران والضاحية الجنوبية من جهة ثانية.

من شاهد “الزلزال” الذي أصاب الحزب وحلفائه وبيئته الحاضنة، عندما وقع الخبر عليهم وقع الصاعقة (وقد كنت في بيروت حينها)، أدرك بلا شك، أن حكاية “العمل المدبر” من داخل الحزب، تبدو ساذجة ... ومن استمع لمختلف القراءات والافتراضات التي صاحبت الواقعة، لا يستبعد أي من الاحتمالات الأخرى، في عالم شديد التعقيد “استخبارياً” إن على مستوى التعاون بين مختلفين ومتحاربين، أو على مستوى الاختراقات التي تنجح الأجهزة في تحقيقها في قلب دائرة الخصوم والأعداء.

نهاية غامضة لرجل أشد غموضاً... قد لا نعرف على وجه اليقين ما الذي حصل وكيف حصل، لكننا لا نستبعد أبداً، احتمال أن تبدي لنا قادمات الأيام ما كنا نجهله وأن يأتينا بالأخبار من لم نزود.

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نهاية غامضة لرجل غامض نهاية غامضة لرجل غامض



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 05:56 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

تدمير التاريخ

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 17:44 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يحاول استعادة بلدات في حماة

GMT 06:19 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

اللا نصر واللا هزيمة فى حرب لبنان!

GMT 02:32 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا تعلن عن طرح عملة جديدة يبدأ التداول بها في 2025

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 20:57 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عبدالله بن زايد يؤكد موقف الإمارات الداعم لسوريا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab