من منزل في «بربور» إلى مكتب في «البربير»
الجيش الإسرائيلي يقول إن سلاح الجو استهدف منشأة يستخدمها حزب الله لتخزين صواريخ متوسطة المدى في جنوب لبنان أكثر من 141 قتيلا في اشتباكات بين القوات السورية وهيئة تحرير الشام في ريفي حلب وإدلب بوتين يقول إن الهجوم الضخم على أوكرانيا كان "ردًا" على الضربات على روسيا بأسلحة أميركية وبريطانية الجامعة العربية تطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة والسماح بدخول المساعدات الخطوط الجوية الفرنسية تواصل تعليق رحلاتها إلى تل أبيب وبيروت حتى نهاية العام قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة وزير الدفاع الإسرائيلي يوعز بالتعامل بشكل صارم مع الأشخاص المحسوبين على حزب الله العائدين إلى الشريط الحدودي مع إسرائيل الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء لسكان عدد من المناطق في صور ويأمرهم بالتوجه إلى شمال نهر الأولي الدفاع الجوي الأوكراني يعلن إسقاط 50 مسيرة روسية من أصل 73 كانت تستهدف مواقع أوكرانية الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا
أخر الأخبار

من منزل في «بربور» إلى مكتب في «البربير»

من منزل في «بربور» إلى مكتب في «البربير»

 العرب اليوم -

من منزل في «بربور» إلى مكتب في «البربير»

بقلم :عريب الرنتاوي

في الزاوية المقابلة لجامعة بيروت العربية، تعرفت إلى «مقهى أم نبيل»، كان مقهى متواضعاً تديره سيدة أربيعية، أسمينا المكان على كنيتها، كانت تعد أفضل قهوة صباحية، وبنكهة منزلية كنا قد بدأنا نفتقدها ونحن إليها، رغم أنني شخصياً لم أكن قد قضيت بضعة أشهر في بيروت ... كان داود الزاوي، الذي سيشتهر لاحقاً، كشاعر وكاتب ومثقف فلسطيني باسم زكريا محمد، يتردد عليها باستمرار كذلك، وكنا نقضي أوقاتاً طويلة في نقاشات وسجالات لا تتوقف ولا تنحصر بموضوع.

ذات صباح، وبينما كنت جالساً على طاولة على رصيف المقهى، أقلب السفير والنهار (أحسب أنني تعلمت المواظبة على قراءة الصحف في ذلك المكان)، فإذا بشاب نحيف، داكن البشرة، شعره مسترسل، وشاربه يلامس أسفل شفته السفلى، يمر مسرعاً، حاملاً على كتفه «حقيبة يد» من النوع الدارج في تلك الأيام ... إنه يحيى النعيمات، لم أصدق عينيّ، فأنا بالأصل لم أكن أعرف أنه في لبنان، فقد غادرنا قبل عدة أشهر، ومن دون استئذان أو إشعار... ناديته وانعقد لسانه بدوره من شدة المفاجأة ... سألته عن أحواله، فأجابني أنه قضى ليلته في الاتحاد العام لطلبة الأردن، عند محجوب الروسان، وأنه يقضي جل وقته في قواعد المقاومة في جنوب لبنان ... كانت فترة صعبة في حياته، لم يكن قد تمكن بعد، من الاندماج في البيئة اللبنانية الصعبة، لم يحصل على عمل، ولم يحظ بفرصة للبوح عن ملكاته وقدراته كصحفي محترف وشاعر مرموق.

بخلاف يحيى، الذي سيُعرف لاحقاً باسم أمجد ناصر، كنت قد حظيت فور وصولي، وبسبب علاقات سابقة كنت نسجتها مع بعض الشخصيات النافذة في الفصائل الفلسطينية، بشقة مفروشة من غرفتين وصالة ومطبخ وحديقة صغيرة في منطقة «بربور»، مقابل مسجد جمال عبد الناصر على كورنيش المزرعة، كنّا نتندر على اسم المنطقة، كأن يقول أحدنا للآخر «زحلق إلى البيت»، وكنت أقيم فيها لوحدي، عرضت عليه مشاطرتي السكن، فاستجاب دون تفكير أو تردد ... وستصبح هذه الشقة، وصاحبتها السيدة البيروتية الفضولية «أم العبد»، ملاذاً لعدد كبير من المناضلين الذين سيغادرون الأردن تباعاً، ومن بينهم، اثنان من أبناء عمومة يحيى هما: سميّه يحيى النعيمات «جونيور» والمرحوم هاني النميري، فضلاً عن زهرة المعاني وابنتيها، نيفرتيتي ومنى.

ما أن استتبت لنا الإقامة في «منزل بربور»، حتى اندلعت معارك طاحنة بين وحدات الجيش السوري المنضوية في إطار قوات الردع العربية، أو بالأحرى، المحتوية على قوات الردع العربية، وستتاح لنا الفرصة لمعايشة فصلٍ دامٍ من فصول الحرب الأهلية اللبنانية لم يبق سلاح ثقيل أو متوسط أو خفيف لم يستخدم، وكانت «ثكنة الفياضية» حيث تتمركز قوة مهمة من الجيش اللبناني الموالي للجانب المسيحي في الانقسام الأهلي، عنواناً رئيساً للأخبار والتقارير الصحفية لعدة أيام متواصلة.

كان الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، قد زار إسرائيل، لتنقسم المنطقة من بعد تلك الزيارة إلى محاور متصارعة كعادتها، وتتشكل «جبهة الصمود والتصدي العربية» التي ضمت إلى جانب سوريا والعراق، كلا من ليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولتحظى بتأييد من الجزائر واليمن الجنوبي آنذاك ... يومها، طويت صفحة الصراع الفلسطيني – السوري، التي فُتحت إثر التدخل العسكري السوري في لبنان، ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، ودعماً للجبهة اللبنانية، أو ما كان يعرف باسم «الانعزالية المارونية»... بدأ المسيحيون في لبنان يتحسبون من انقلاب المشهد وتغيير المعادلات، وبدأوا يعبرون عن ضيقهم بالوجود العسكري السوري في مناطقهم، ومنذ ذلك التاريخ، وهم في صراع لإخراج السوريين من «المنطقة الشرقية» وجوارها، إلى أن تحقق لهم ما أرادوا، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982.

وستندلع أول حرب إسرائيلية – فلسطينية بعد أشهر معدودات من وصول المجموعة الأردنية إلى بيروت، وستأخذنا «الحمية» للالتحاق بفصائل المتطوعين لقتال إسرائيل، ولأنني ذي وضعية سياسية متقدمة، فلم يكن يليق بي أن أكون مجرد متطوع، فتوليت قيادة فصيل عسكري في زمن اجتياح آذار 1978، مع أنني لم أكن قد أطلقت رصاصة من مسدس.

ولكي لا تأخذني المفاجأة، لجأت إلى مكان قصي في استاد رياضي قيد الانشاء، وأخذت أطلق النار لكي تعتاد أذني على صوت الرصاص ... لكن قائداً عسكرياً فلسطينياً، اكتشف أمري، عندما أوقف حاجزا للكفاح المسلح، الفصيل الذي أقوده، وبعد أن عرف المهمة التي أتولاها، سألني مستنكراً، وكيف تخرج بفصيل سيرابط على البحر قبالة الزوارق الإسرائيلية، وليس من بين أفراده من يرمي على «الآر بي جيه»، وليس لديكم رشاش ثقيل أو متوسط ... خجلت من «ديمقراطيتي» و»انعدام خبرتي» وعدت أدراجي، طالباً تعزيز الفصيل برماة «آر بي جيه» و»دوشكا»، ولا أدري إن كان من حسن طالعي أم من سوئه، أننا لم نشتبك مع أي إسرائيلي في تلك الحرب.

وسوف نختبر في لبنان، قصة ارتقاء أول شهيد من معارفنا المقربين جداً في حرب الاجتياح ... إنه الشهيد جهاد حمو، العضو القيادي في جبهة التحرير الفلسطينية، الذي استشهد برصاص «حاجز إسرائيلي طيار» وهو في طريق العودة من الجنوب إلى بيروت، لم أعرف جهاد في مخيم الوحدات رغم أن منزل والديه لا يبعد سوى ثلاثمائة متر عن منزلنا، عرفت أخاه عارف حمو، ربما لأنه كان يكبرني سنّاً ... كان صديقاً مقرباً من زهرة المعاني، ولطالما زارنا في «منزل بربور»، ولقد عرفني عليه كذلك، عبد الهادي النشاش، الصديق القيادي في جبهة التحرير الفلسطينية آنذاك، الذي غادر الأردن إلى لبنان، قبل أشهر قلائل فقط من وصولي إليها في نهاية العام 1977. 

وسيكون لي موعد آخر في «مقهى أم نبيل»، فذات صبيحة في مطلع العام 1980، وبينما كنت أمارس هوايتي في احتساء قهوة السيدة النبيلة، متصفحاً السفير والنهار، فإذا بالمرحوم ميشيل النمري، شقيق الصديق جميل النمري، الذي كنت تعرفت إليه عن طريق أمجد ناصر، يمر قبالة المقهى وقد بدا في عجلة من أمره، طلب إلي أن ألحق به، وأن أنهي فوراً طقوس القهوة والصحف الصباحية، فلديه موعد مع السيدة سلوى البنا، وهي كاتبة وقاصة أردنية، كانت تمتلك وتدير مكتباً للخدمات الصحفية، أسمته «منار برس» في منطقة «البربير»، وسيعرض علي ميشيل أن أعمل معه في الصحافة، رفضت وقاومت، على اعتبار أنني لست صحفياً، ولم أفكر يوماً في العمل بالصحافة والإعلام ... لكن أمام إصراره، قررت أن التحق به متردداً ومذعوراً، فالرجل سيزج بي في أتون معمعة حامية الوطيس، وأنا مجرد تماماً من أسلحتها.

طوال الطريق من مقهى أم نبيل إلى مكتب المنار برس، والرجل يعمل على تهدئة روعي، ويسعى في تبسيط المهمة أمامي، ووعدني بأنني في غضون أشهر قلائل فقط، سأصبح صحفياً محترماً ... قدمني إلى السيدة سلوى، وعرفت من خلال أحاديثهما أنها على صلة قرابة لصيقة بصبري البنا «أبو نضال» (أبنة أخيه على ما أظن)، الشهير باغتيالاته المتكررة لقيادات وسفراء فلسطينيين، ومن سخريات القدر، أن «أبو نضال» سيكون لاحقاً، المتهم الرئيس باغتيال ميشيل النمري في أثينا بعد عدة سنوات من ذاك اللقاء.

لم يتعامل ميشيل معي كصحفي متدرب، ففي اجتماع التحرير الذي أصر علي أن أحضره، كلفني بإعداد تحليلات سياسية وإجراء مقابلات مع سياسيين لبنانيين وفلسطينيين... وكانت سعادتي بالغة برؤية ما أنتجه من مواد، منشوراً على صفحات «السياسة» الكويتية» والرأي الأردنية، وغيرها من صحف خليجية، كانت منار برس قد تعاقدت معها لتزويدها بالأخبار والتقارير والمقابلات من لبنان.

وستتاح لي في منار برس أن أعمل مع الكاتب الصحفي والمثقف اللبناني الصديق جورج ناصيف، وأن أتعرف على الصحفية اللبنانية، اليسارية سابقاً، فاطمة حوحو، قبل أن تنتقل إلى جريدة المستقبل الناطقة بلسان تيار الحريري ... وستتكون خبرتي الصحفية في الفترة القصيرة التي قضيتها في الوكالة، قبل أن ألج عتبات مرحلة جديدة في العمل الوطني واليساري الفلسطيني، وللحديث صلة.

المصدر : جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من منزل في «بربور» إلى مكتب في «البربير» من منزل في «بربور» إلى مكتب في «البربير»



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:53 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يناقش إبعاد بعض وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله
 العرب اليوم - ترامب يناقش إبعاد بعض  وسائل الإعلام من البيت الأبيض مع نجله

GMT 09:17 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة
 العرب اليوم - فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة

GMT 22:12 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

هنا شيحة تكرر تعاونها مع محمد هنيدي في رمضان 2025
 العرب اليوم - هنا شيحة تكرر تعاونها مع محمد هنيدي في رمضان 2025

GMT 08:52 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024
 العرب اليوم - كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 18:57 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

العين قد تتنبأ بالخرف قبل 12 عاما من تشخيصه

GMT 09:17 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فواكه طبيعية لتحسين وظائف الكلى ودعم تطهيرها بطرق آمنة

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 04:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك سلمان بن عبد العزيز يفتتح مشروع قطار الرياض

GMT 08:52 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

كيا EV3 تحصد لقب أفضل سيارة كروس أوفر في جوائز Top Gear لعام 2024

GMT 20:30 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن إسقاط مسيرة تحمل أسلحة عبرت من مصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab