جذوة الربيع العربي لم تنطفئ

جذوة "الربيع العربي" لم تنطفئ

جذوة "الربيع العربي" لم تنطفئ

 العرب اليوم -

جذوة الربيع العربي لم تنطفئ

بقلم - عريب الرنتاوي

لم نأخذ على محمل الجد، تلك التحليلات والنبوءات التي "نعت" مبكراً موجة الربيع العربي بثوراته وانتفاضاته المتلاحقة، التي اندلعت من تونس قبل ثماني سنوات، ولطالما تصدينا من موقع "المخالف"، لكل "قصائد الذم والهجاء" لهذه الموجة الثورية/الإصلاحية، وما حُمّلته زوراً وبهتاناً من مسؤوليات عمّا صاحبها وأعقبها من فوضى واحتراب وشلالات دماء... وقلنا وما زلنا نقول: إن المسؤول عن تحوّل الربيع العربي إلى موجات متعاقبة من الخراب والدمار والانقسام الأهلي، هي "الثورات المضادة" لهذا الربيع، والتي رأت فيه تهديداً بدل أن ترى فيه فرصة لتجاوز حالة الركود والاستنقاع التي عاشتها المنطقة، لأكثر من أربعة عقود، في ظل أنظمة فساد واستبداد، عملت ما بوسعها لتكريس ثالوث غير مقدس مفروض على شعوبنا ومجتمعاتنا: التمديد والتجديد والتوريث... قلنا وما زلنا نقول: لو أن منجزات الربيع العربي اقتصرت فقط على دفع الشباب العربي لـ "تطليق" ثقافة الخوف، لكان ذلك بحد ذاته، إيذاناً بانبلاج فجر جديد على هذه الإقليم.

مع تفاقم وانتشار تهديد الإرهاب، الذي صاحب صعود داعش والنصرة قبل أزيد من أربعة أعوام، بدا واضحاً أن المنطقة قد باتت على وشك الخضوع لثالوث آخر، غير مقدس بدوره، ثالوث الطغاة الذين استولدوا الغلاة، وكلاهما، عمل بدوره وبوسائله، على استدرج الغزاة من كل لون وجنس، إن على شكل "مجاهدين" يتلفعون بالشعار الديني – المذهبي، أو على شكل دول إقليمية غارقة في أحلامها الامبراطوريةأومراكز دولية، لم تبارحها أحلامها الاستعمارية القديمة الجديدة.

قبل عامين، احتفينا بانطلاقة الحراك المدني الشبابي في كل من العراق ولبنان، واستضفنا مروحة واسعة من قادته، واستمعنا منهم في بيروت، لمداخلات عرضت لعوامل نشأتها وتمردها على نظامي المحاصصة الطائفية والمذهبية، وأحزاب العمامات البيضاء والسوداء وشيوخ القبائل والاقطاع السياسي ... وبعدها بأقل من عام، احتفينا بموجات المقاومة الشعبية السلمية، التي أطلقها شبان فلسطينيون وشابات فلسطينيات ضد الاحتلال والاستيطان والحصار، وبجرأة نادرة، بلغت ذروتها في تظاهرات مسيرة العودة الكبرى الباسلة.

وبين هذه وتلك، كنا نتابع إرهاصات حراك شبابي شعبي، مطلبي وسياسي، في كل من تونس والمغرب ومصر والسودان، وكنا نتتبع بوادر المبادرات الشبابية في الأردن، والتي ستتحول لاحقاً إلى حراك شبابي/شعبي غير مسبوق، جمع الجغرافيا والديموغرافيا الأردنيتين، في تعبير سلمي متحضر عن رفض السياسات الاقتصادية والمالية والضريبية للحكومة، وفي تعبير عن التوق لإصلاح سياسي حقيقي، يعيد النظر في طرق تشكيل الحكومات والبرلمانات، وتعزيز جبهة محاربة الفساد والهدر والانفاق غير الرشيد، وتكريس سياسة الاعتماد على النفس.

لم يساورنا الشك، بإن قطار الربيع العربي الذي توقف في محطاته السورية والليبية واليمنية، وخرج عن سكته في محطته المصرية، سيعاود سيره الحثيث صوب عواصم عربية أخرى، إلى أن تحقق الأجيال الشابة حلمها في الحرية والكرامة والعيش اللائق الكريم، وإلى أن تلتحق هذه المنطقة، بركب التنمية البشرية وموجات الديمقراطية المتعاقبة التي ضربت العالم بأسره، وترك المنطقة نهباً للفقر والبطالة والتهميش والفساد ومختلف أنماط الحكم التسلطي.

صحيح أن قراءاتنا الأولى لموجة الربيع العربي اتسمت بكثير من "السطحية" و"التفكير الرغائبي"، بيد أن مرور أعوام ثمانية على موجته التونسية الأولى، وما أعقبها من تطورات وتحولات ضربت بنى الدولة والمجتمع سواء بسواء، تكشفت لنا عن عمق الخراب الذي ضرب البنى الاجتماعية والثقافية لمجتمعاتنا، فما كان تغيير النظام أو رأسه، سبباً كافياً لضمان الانتقال إلى الديمقراطية والتنمية، فالخراب المتراكم عبر سنوات الركود وعقود الاستبداد، كان أعمق وأخطر بكثير مما قدرنا وقدر غيرنا.

ومن بين ما تأكد لنا من فرضيات، كنا نرددها بحذر قبل الربيع العربي، أن الأنظمة والحكومات تنتج معارضات على صورتها وشاكلتها، فالأنظمة الدموية انتجت معارضات دموية، والأنظمة المعتدلة أنتجت معارضات معتدلة ... والدول العربية، لا يمكن وضعها جميعها في خانة واحدة ... فثمة دول وأنظمة ومجتمعات، تستطيع الجمع بين الديمقراطية والاستقرار، ونحمد الله أن الأردن هو واحد منها، فنظامه المعتدل أنتج معارضة معتدلة ومتحضرة، فيما الحال لم يكن كذلك في دول ومجتمعات أخرى، ولن يكون على هذه الشاكلة كذلك، في دول تبدو في الظاهر أنها بمنأى عن رياح التغيير، لكن قطار "الربيع العربي" جارف، ولن يتوقف قبل المرور بمختلف العواصم العربية، وربما الإقليمية كذلك.

المصدر :جريدة الدستور

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

arabstoday

GMT 01:05 2024 الثلاثاء ,27 شباط / فبراير

حكاية الحكومات في فلسطين... والرئيس

GMT 02:47 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

لماذا مدح بوتين بايدن؟

GMT 01:26 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

سياسة في يوم عيد الحب

GMT 01:23 2024 الإثنين ,19 شباط / فبراير

كوارث التواصل الاجتماعي!

GMT 02:27 2024 الأربعاء ,14 شباط / فبراير

تستكثرُ علي بيتك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جذوة الربيع العربي لم تنطفئ جذوة الربيع العربي لم تنطفئ



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 15:17 2025 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة
 العرب اليوم - خالد النبوي يوجه نصيحة لنجله ويكشف عن أعماله الجديدة

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 14:36 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مورينيو ومويس مرشحان لتدريب إيفرتون في الدوري الانجليزي

GMT 14:39 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

وست هام يعلن تعيين جراهام بوتر مديراً فنياً موسمين ونصف

GMT 09:33 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أنغام تحتفل بألبومها وتحسم جدل لقب "صوت مصر"

GMT 14:38 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتى يحسم صفقة مدافع بالميراس البرازيلى

GMT 14:30 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

جوزيف عون يصل إلى قصر بعبدا

GMT 20:44 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

مانشستر يونايتد يعلن تجديد عقد أماد ديالو حتي 2030

GMT 14:32 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

كييف تعلن إسقاط 46 من أصل 70 طائرة مسيرة روسية

GMT 15:26 2025 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أحمد مكي يخلع عباءة الكوميديا في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab