زمن التسويات الكبرى

زمن التسويات الكبرى

زمن التسويات الكبرى

 العرب اليوم -

زمن التسويات الكبرى

عريب الرنتاوي

معظم إن لم نقل جميع الأطراف المتورطة في صراعات المنطقة وحروبها ومحاورها، تحلّقت بالأمس حول مائدة واحدة، في تطور غير مسبوق، لا قبل هبوب رياح “الربيع العربي” ولا بعده ... المسألة لا تقتصر هنا على الأزمة السورية على “محوريتها”، بل تتخطاها إلى مختلف الأزمات التي تعصف بالإقليم، من العراق إلى لبنان، مروراً باليمن وليبيا ... الشعور المهيمن على الوفود المتقاطرة صوب فيينا، يتميز بالإعياء والإنهاك، وانعدام القدرة على “الحسم” وتحقيق انتصارات لا لبس فيها، فثمة من التوازنات والتكاليف والمخاوف، ما يدفع الأطراف إلى التفكير بحلول سياسية وسط.
في سوريا، أعاد التدخل العسكري الروسي “التوازن” إلى معادلات القوى ... فكرة “الحسم العسكري” سقطت مرة وإلى الأبد، فيما حروب الوكالة والاستنزاف، تبدو كخيار مدمر، لا ترغب القوى الكبرى إقليميا ودولياً في تجريبه ... فكرة إسقاط الأسد بالقوة، سقطت، تماماً مثل فكرة “بقائه للأبد” ... إذن، لا بُدّ من تجريب خيارات توافقية أخرى، تنقذ سوريا من خطر “التقسيم” وتجنب جوارها مفاعيل “مبدأ الدومينو”، يبدو أن الأطراف باتت تستمرئ خيار “تقاسم” سوريا بدل “تقسيمها، والمقصود بالتقاسم هنا بالطبع، تقاسم النفوذ والمصالح.
طوال سنوات الأزمة الثلاث الأولى، ظلت سوريا وحدها تدفع الأثمان الباهظة للحرب فيها وعليها ... تطورات العامين الأخيرين شهدت تحوّلات بالغة الخطورة والتهديد لدول جوار سوريا، القريب منها والبعيد ... إيران المستنزفة في مستنقع الأزمة، وصلت إلى ما يشبه القناعة بعجزها عن “حفظ النظام” و”إبقاء الأسد على مقعده” ... تركيا التي رأت في سوريا مدخلاً للهيمنة على المنطقة، بدأت تواجه خطر “السورنة” مع تنامي انقساماتها واستقطاباتها الداخلية، تفاقم “المسألة الكردية” وظهور “مسألة علوية”، دع عنك انقلاب “سحر داعش” على الساحر ... السعودية التي تكاد تختنق بـ”اللقمة” اليمنية العصية على الهضم والابتلاع، باتت أكثر واقعية في إدراك مصاعب ابتلاع “الكعكة” السورية، ذهابها إلى فيينا بعد كل التصريحات والمواقف التصعيدية، يعكس قدراً من هذا الإدراك المتأخر ... العراق، كان الأكثر عرضة لأفدح تداعيات هذه الأزمة، عندما اجتازت “داعش” حدوده الغربية وغزت الموصل ... الأردن ولبنان، كانا الأكثر استهدفاً بزحف اللاجئين وطوفانهم الجارف .... أوروبا بدورها بدأت بتلقي مفاعيل التهديد الإرهابي وطوفان اللاجئين ... لا أحد بات بمنأى عن شرارات الأزمة التي خرجت عن قواعد السيطرة والتحكم.
عند هذه النقطة، وعندها فقط، بدأت الحاجة لتسويات وحلول وسط تجتاح مختلف الأطراف، وأخذ صناع القرار من أمراء المحاور والمذاهب والطوائف والعواصم، بالبحث عن سلالم لهبوط آمن من على قمة الشجرة التي صعدوا إليها، وعلقوا في قمتها.
ومثلما أعادت “عاصفة السوخوي” في سوريا “التوازن” إلى معادلات القوة بين المعسكرين المتصارعين، فإن “عاصفة الحزم” قد أعادت “التوازن” ذاته، ولكن إلى معادلات القوة في اليمن، وبين المعسكرات ذاتها، المحتربة فيه وعليه ... وبعد ثمانية أشهر من الحرب المدمرة، وغير الضرورية، على هذا البلد الفقير والمُفقر، يبدو أن “الحل الوسط السياسي” هو المخرج الوحيد الممكن لمختلف الأطراف، حتى لا يصبح اليمن “ليبيا ثانية” في خاصرة السعودية ومجلس التعاون، فيتحول إلى ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وملاذ آمن للقاعدة والإرهاب.
هنا أيضاً، يمكن تفهم المعلومات المتفائلة التي تتحدث عن قرب التئام مائدة المفاوضات في جنيف بين مختلف الأطراف، بل والتفاؤل بتوفر أفضل الفرص وأكثرها جدية، للوصول إلى حل لهذه الحرب المدمرة.
فيينا ومن ثم، جنيف، باتتا الملاذين الآمنين لكل من اصطدمت أحلامهم ورهاناتهم بجدار صلب، لكل من أدرك أن زمن الحروب الخاطفة والسريعة قد ولى، وأن زمن الإقصاء والإلغاء قد انتهى، وأن زمن الهيمنة المتفردة والقطب الواحد وسياسات الاستتباع ونظرية “المركز والمحيط” قد أفل كذلك .... فلا السعودية إقليمياً قادرة على الاستمرار بدورها القيادي في المنطقة كما تفرّدت به بغياب مصر وانهيار كلٍ العراق وسوريا ... ولا إيران، قادرة على اختراق الحواجز الاقتصادية والعسكرية والمذهبية التي تحول دون قيامها بدور القيادة المهيمنة والمتفردة للإقليم... في حين خسرت تركيا الرهان على الأحصنة الثلاثة التي راهنت عليها لقيادة الإقليم: داعش سورياً، الإخوان إقليمياً و”القوة الناعمة” أو “قوة النموذج” قبل هذه وأولئك... أما روسيا فقد برهنت بتدخلها العسكري المباشر، غير المسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، أنها قوة عالمية، وليست قوة إقليمية كبرى فحسب، كما تفضل واشنطن أن تصفها وتصنفها.
إنه زمن التسويات الكبرى النابعة من العجز على التفرد والحسم والمغالبة ... إنها التسويات التي تلحظ مصالح الجميع وتؤسس على توازنات القوى بين الجميع .... إنها التسويات التي قد تسمح بتفوق هنا لفريق وتراجع هناك لفريق آخر، بيد أن حصيلتها النهائية، ستكون محكومة على الأرجح بقاعدة “رابح – رابح”، أو ربما “خاسر – خاسر” في الحالة العربية ... ألم تكن فيينا هي العاصمة المضيفة لأشهر اتفاق رابح – رابح في القرن الحالي بين إيران والمجتمع الدولي؟!

 

arabstoday

GMT 06:52 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

ليس آيزنهاور

GMT 06:49 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

والآن الهزيمة!

GMT 06:47 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مسؤولية تأخر قيام دولة فلسطينية

GMT 06:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

... عن «الممانعة» و«الممانعة المضادّة»!

GMT 06:21 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكرة «الترمبية»

GMT 06:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن... وأرخبيل ترمب القادم

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

فريق ترامب؟!

GMT 06:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة رائعة وسارة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن التسويات الكبرى زمن التسويات الكبرى



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab