عن «التحييد والاحتواء والتوظيف» بمناسبة ويكيلكيس

عن «التحييد والاحتواء والتوظيف» بمناسبة ويكيلكيس

عن «التحييد والاحتواء والتوظيف» بمناسبة ويكيلكيس

 العرب اليوم -

عن «التحييد والاحتواء والتوظيف» بمناسبة ويكيلكيس

عريب الرنتاوي

تفضح وثائق ويكيليكس الأخيرة حالة «الهيمنة» و»الاحتواء» التي تعيشها «النخب» العربية من سياسية وإعلامية من قبل «حفنة» من الحكومات العربية المقتدرة، وتشفُّ عن مستوى التهافت والابتذال الذي تكشفت عنها العلاقة «الزبائنية» بين الفريقين ... مال كثير يُغدق بلا حساب، وجيوب فارغة أقرب ما تكون إلى «جراب الحاوي»، الذي تنطلق منه كل الحيل والخدع البصرية، وتنبعث منها روائح الصمت والتواطؤ والاستتباع.

بين حدّي «التحييد» و»الاحتواء الناعم»، نشأت العلاقة بين الطرفين وتطورت ... الأكثر تقديراً للذات واعتداداً بالنفس من «النخبة» يلوذ بصمت القبور حيال حقبة البترودولار وارتداداتها المدمرة على حاضرنا ومستقبلنا ... أما الأكثر تهافتاً ونهماً، فيتصدرون الصفوف في معارك الذود عن أنظمة وحكومات، ينسب لها عادة، ما ليس منها ولا فيها ... لكأنهم «شعراء القبائل» في جاهلية العرب، لسان حالهم يردد قول دريد بن الصمّة:

«وهل أنا إلا من غزية إن غوت، غويت وإن ترشد غزية أرشد».

تعيدني وثائق ويكيلكيس إلى جريدة «الصريح» التي أصدرها هاشم السبع في يافا قبل النكبة، وهي جريدة فكاهية ساخرة، وقد أخبرني والدي -رحمه الله-، عن كاريكاتير انطبع في مُخيتله، يظهر خطيباً لوذعياً يلوح بيمناه بما ينسجم مع خطبته العصماء، أما يسراه، فكانت مفتوحة خلف ظهره، تتلقى الدراهم من شخصيات تشبه شخصيات ناجي العلي -رحمه الله-، التي تكرشت حتى عادت بلا رقبة على حد وصف مظفر النواب، هامسة في إذن الخطيب: «كلما زدت دفاعاً كلما زدناك دفعا».

هي ذاتها الأطراف، التي تكاد تسيطر على أكثر من أربعة أخماس «سوق» الإعلام والصحافة والتلفزة والإذاعة والدراما والفنون وصناعة الكتاب في العالم العربي، تمد شبكتها الإخطبوطية، لتصطاد مئات وألوف السياسيين والمثقفين والصحفيين في العالم العربي، بمن فيهم أولئك الذين لم يندرجوا رسمياً على قوائم «الموظفين» في المؤسسات المملوكة مباشرة أو بصورة غير مباشرة، من قبل هذه الأطراف.

«شراء الصمت»، هو مطلب الحد الأدنى، وإن كان المطلوب دائماً، هو الانتقال من حالة الصمت والحياد، إلى خنادق المواجهة والتصدي لكل خصوم الداخل والخارج ... ولقد رأينا انتقالات مؤسفة من هذا النوع، دفعت بمثقفين وكتاب من عيار ثقيل، للانتقال من «خنادق المقاومة» إلى «قصور الأمراء» .... رأينا ليبراليين، يتحينون الفرص لاستعراض مختلف أوجه صداقاتهم الحميمية و»البريئة» مع «طويلي العمر» ... رأينا أحزاباً مسيحية تسبح بحمد بلدان لا تسمح ببناء كنيسة لزوارها أو رعاياها ... رأينا معارضات، تتوزع على خطوط حروب الأدوار والوظائف بين دول مقتدرة ... رأينا ثواراً نزعوا بزة الحرب وارتدوا الغوترات»، سويسرية المنشأ.

يأتيك من يتحداك: أنظر إلى أرشيف مقالاتي وأبحاثي، فلن تجد فيه سطراً واحداً يسبح بحمد هذه الدولة أو ذاك الحاكم ... انت تعرف ذلك وتصدقه من دون عودةٍ مضنيةٍللأراشيف ... لكن السؤال الذي يقفز إلى ذهنك فوراً: وهل هناك سطر واحد، أو كلمة واحدة، في نقد الحاكم أو الاعتراض (مجرد اعتراض) على سياسة تلك الدولة؟ ... ليس المهم ما نقول ونكتب، فما لا نقوله وما لا نكتبه، مهم أيضاً، وبالقدر ذاته، وربما أكثر.

قبل سنوات، أنجزت مع زملاء، دراسة مسحية بعنوان «الاحتواء الناعم للصحافة والإعلام في الأردن»، أذهلتنا النتائج لكأننا نرى لأول مرة صورتنا القبيحة بالمرآة ... بعد ويكيليكس، تتضاءل انفعالاتنا وتتواضع تقديراتنا، فما يحصل لدينا ليس سوى «قطرة» في بحر «التحييد والاحتواء الناعم» الذي يدور على مرأى وسمع شعوبنا ومجتمعاتنا، ويميز حقبة في تاريخ منطقتنا، امتدت لأربعة عقود أو يزيد.

يدهم الطولى، بطول الأصفار المتراصفة على يمين أرقام حساباتهم ... وصلت إلى عواصم الغرب التي تتغنى بحرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام، وتغني ليل نهار، للمنظومة القيمية التي تتحلى بها دولهم ... قبل أقل من عام، فضحت النيويورك تايمز الأمريكية الطابق، ونشرت في تحقيق استقصائي، كيف «تورطت» مراكز أبحاث مرموقة ومعاهد يملأ صيتها الأرض والفضاء، في فضيحة «التحييد والاحتواء»، مراكز تتلقى ألوف وملايين الدولارات، لكي لا تتحدث عمّا يجري في هذه الدول، وتدرجها في قوائمها السوداء للأنظمة والحكومات المسكوت عنها ... ولا بأس بالطبع، إن تطوعت في «إرشاد» الإدارة الأمريكية حول أنجع الطرق والوسائل لمساعدة «الحلفاء» و»الأصدقاء» من دول الاعتدال، في مواجهة الأعداء المشتركين.

ما عرفناه ونعرفه، ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، أما ما خفي فهو أعظم بكل تأكيد ... ولا أحسب أن سياسة «شيطنة» ويكيليكس، ستفلح في تبديد الصورة ... قد يكون مضمون برقية أو عدد من البرقيات غير دقيق، فالأخطاء البشرية تقع على أية حال، لكن حين تتراكم البرقيات بالمئات والألوف وعشرات الألوف، توثق وقائع يصعب على أي أحد تلفيقها بالكامل ... حين يترسم السياق العام ويتظّهر بكل هذا الكم من المعطيات، تصبح «الشيطنة» تعبيراً على البؤس واليأس من فرص النجاح في التصدي لطوفان المعلومات الفاضحة والوثائق الكاشفة.

لم تكن دراسة الاحتواء الناعم الأردنية، سوى مرآة وضعناها أمام أنفسها، حوّلت ما نعرف ونسمع من معلومات وشائعات إلى جداول ورسومٍ بيانية وأرقام ونسب مئوية، ولم تكن وثائق ويكيليكس سوى برهان إضافي على ما نعرف ونسمع من معلومات وشائعات ... لكنهم يراهنون ذاكرة شعوبنا القصيرة، فهل من بيننا من لا يزال يتذكر فضائح «النفط مقابل الغذاء» التي زكمت الأنوف في حينها، وكشفت عن الأهداف الحقيقية لجيوش من «المتضامنين» و»المؤيدين»، الذين كانوا يزدادون دفاعاً كلما زادوهم دفعاً ... رحم الله أبي وهشام السبع.

 

arabstoday

GMT 07:06 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الاحتفاء والاستحياء

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أوروبا تواجه قرارات طاقة صعبة في نهاية عام 2024

GMT 06:49 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

هل هي حرب بلا نهاية؟

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب إسرائيل الجديدة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن «التحييد والاحتواء والتوظيف» بمناسبة ويكيلكيس عن «التحييد والاحتواء والتوظيف» بمناسبة ويكيلكيس



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 21:12 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل
 العرب اليوم - بايدن يعلن التوصل إلى إتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab