2018 سَنةً في سَنة

2018 سَنةً في سَنة

2018 سَنةً في سَنة

 العرب اليوم -

2018 سَنةً في سَنة

سجعان قزي
بقلم - سجعان قزي

سنةُ 2018 تَحمِلُ في ثناياها 2018 سنةَ وجودٍ. من يسوعَ في مِذوَدِ بيتَ لحم إلى الصَبيّةِ "عهد تميمي" في انظنُّ أنَّ كلَّ سنةٍ مقبِلةٍ بريئةٌ من سابِقتِها، فيما هي وريثةُ جميعِ السنواتِ السالفةِ. ليس التاريخُ أجزاءَ مُقطَّعةً، بل مراحلُ متكامِلةٌ لسجن الإسرائيلي. ولا تُصبحُ أيُّ سنةٍ جديدةٍ مستقبَلاً إلا بعدَ أنْ تَنتهيَ. السنواتُ تتقمَّصُ في ما بينَها. السنةُ الجديدةُ تَختلف من إنسانٍ إلى آخَر مع أنّها ذاتُها. سنةُ الامرأةِ غيرُ سنةِ الرجل، وسنةُ الشبابِ غيرُ سنةِ الكهول، وسنةُ الظالمين غيرُ سنةِ المظلومين، وسنةُ الحكّامِ غيرُ سنةِ الشَعب، وسنةُ الأصحّاءِ غيرُ سنةِ الـمَرضى، وسنةُ العامِلين غيرُ سنةِ العاطلين عن العَمل، وسنةُ الفرحين غيرُ سنةِ المحزونين. هذا هو الفارقُ الافتراضيُّ بين مُدّةِ الزمنِ الجامدةِ وهويَّتِه المتحـرِّكة. كانت هويّـةُ سنةِ 2017 في مؤسَّسةِ الــ"نازا" الأميركيّةِ غيرَ هويَّتِها في السجونِ السوريّة.يَسهو عن
 بالِنا أنَّنا اكتشَفنا السنواتِ وكلَّ نظامِ الوقتِ لننظِّمَ حياةَ الانسانِ حيالَ الكون. وبالتالي لا تفاؤلَ بمحطّاتِ الزمنِ أكانت سنةً أم شهرًا أم أسبوعًا أم يومًا أم لحظةً، بل بالذات. نحن مصدرُ الخيرِ والشرِّ، الفرحِ والشقاء. ليست سنةُ 2017 ما جَلَب الفسادَ والصِراعَ والتبعيّةَ والحروب، بل أفعالُنا. وما نُـلطِّخُ به السنواتِ يُـحاسِبُنا عليه الزمنُ.
قاهِرٌ هو الزمنُ ودائمًا منتَصِرٌ. لا تَقــهَـرُه سوى الأبديّـة. لكنَّ طريقَ الأبديّةِ تَـمرُّ بالدنيا أي بالزمنِ، أي بموتِ الجسدِ وحياةِ الروح، أي بالإيمان. ما إنْ نَطأُ مساحةَ الزمن حتى يَتحدَّدَ عُمرُنا. ومهما أزَلنا تجاعيدَ وغيَّرنا ملامحَ يَقبِضُ الزمنُ علينا. يَسخَرُ منا لـمّـا يرانا نُـعـيِّـدُ الأزمنةَ الجديدةَ فيما العمرُ يَطوينا على غَفلَةٍ منّا لا مِن الزمَن. وما إن نلحَظُ الخطأَ الحسابيَّ حتى يَـمضي المستقبلُ، فنَمضي وراءَ الذِكريات علّها تعوِّضُ فرحَنا الضائعَ في الحدثِ المجازيِّ. إن الحنينَ هو قَرضُ الماضي للحاضرِ من أجل تسليفِ المستقبَل.
احتفالاتُنا بمناسباتِ رأسِ السنةِ وعيدِ مولِدنا وغيرهِا تَكشِفُ بقايا براءتِنا وبساطتِنا وتَـمرُّدِنا على رتابةِ الوجودِ وفنائـيَّتِه. وصراعُ الإنسانِ منذُ البَدءِ هو أصلاً مع الزمانِ والمساحة. إذا التفَتَ إلى الوراءِ نادتْه الوِلادةُ، والرجوعُ إليها مستحيل. وإنْ تَطلَّعَ نحو المستقبلِ أبصرَ الموتَ، وتفادِيه مُحال. هكذا، لا يَبقى له سوى الحياةِ، وهي جميلةٌ للبعضِ، بائسةٌ للبعضِ الآخَر. لكنَّ الحياةَ مزدوِجةُ الانتماء: هي جُزءٌ من الزمنِ كعمرٍ، ومِن الأزلِ ما بعدَ العُمر. ومِن هذه الثنائـيّـةِ تَنـبَعُ مُحاكاةٌ وِجدانـيّـةٌ، لا تَخلو من العتَبِ، بين الضميرِ والفرَح.
كيف للفرحِ أن يَكتمِلَ واللاجئونَ في العالمِ بلغَوا نحو سبعينَ مليونِ إنسانٍ، وثُـلثُ الشعبِ اللبنانيِّ تحتَ سقفِ الفَقرِ، وعلى أرضِ لبنانَ نُصفُ مليونِ لاجئٍ فلسطينيٍّ في البؤس، ونحو مليونَـي نازحٍ سوريٍّ في الشقاٍء؟ أعَبَرتْ ضميرَنا حَسرةُ هؤلاءِ، وبخاصّةٍ الأطفالُ المحرومون، وهُم يُشاهدون على الشاشاتِ فُحْشَ العالمِ الآخَر؟ عدمُ المسؤوليّةِ عن قدَرِ جميعِ هؤلاء لا يُـلغي التضامنَ مع حالهِم ولو بالصلاةِ والتذكُّر والحِشمَة.
لكنَّ هذا الوجهَ التاعسَ لا يَحجُب وجهَ الحياةِ الآخرَ البَهيَّ والمشرِقَ والحضاريّ. هناك العائلاتُ المتَّحِدةُ وملايينُ العامِلين والناجحينَ والمتفوِّقين والمُبدِعين وصانِعي الخيرِ يَستحقِّون التمتّعَ بالسعادةِ من دونِ حياءٍ لأنّهم تَعِبوا وتعلّموا وجاهَدوا وضَحّوا وبلَغوا المجدَ وحَمَلوا الجنسَ البشريَّ إلى مثالِ الخالقِ بخَلقِهم. بفضلِ هؤلاءِ ازدَهرَ الاقتصادُ، عَمَّت البحبوحةُ، توّفرَت فُرصُ العمل، تَـقَّدم العلمُ والطبُّ، شُفيَ المرضَى، تَـحسَّنت حياةُ البشَر، وتَنوَّعت مصادرُ سعادةِ الفردِ والجَماعة. الشعورُ مع الفقراءِ لا يَـمنعُ تقديرَ الميسُورين. الفرحُ حقُّ النفس.
منذُ التكوين، والتوفيقُ بين الشقاءِ والسعادةِ مُعضِلةُ الانسانيّة. فلا نِظامُ الحياةِ نجحَ في حَـلّها عبرَ الولادةِ والموتِ، ولا نِظامُ السياسةِ عَبرَ الديمقراطيّةِ والديكتاتوريّـةِ، ولا نظامُ العقائدِ عبرَ اليمينِ واليَسار. إنها اللامساواةُ الملازِمةُ وجودَنا رغم كلِّ السعيِّ للحدِّ منها. إنّها تكافؤُ الفُرصِ عندَ الانطلاقِ واختلالُـها عند الوصول. إنها قِصّةُ الوزَناتِ الواردةِ في الإنجيل. والصَدمةُ: اتّساعُ الهوّةِ بين الأغنياءِ والفقراء بخلالِ السنواتِ الأربعينَ الأخيرة، وهي أعظمُ سنواتِ تطوّرٍ في تاريخِ البشريّة؛ ما يؤكّد أن التقدّمَ التكنولوجيَّ ليس مرادِفًا المساواةَ، وأنَّ الماديّـةَ ليست حلاً لمشاكلِ البشَر فيما الدينُ عَزاؤهم فقط. وبالتالي، مملكةُ المساواةِ أيضًا ليسَت في هذا العالم.
رغم ذلك، يَسعى الناسُ أنْ يكونوا مُتساوين بشعورِ التفاؤلِ مع بدايةِ كلِّ سنة. هذه إرادةُ الحياةِ المنبَثقةِ من الأملِ بالمستقبَلِ أو اليأسِ من الحاضِر. واللبنانيّون، وقد أصبحوا مُدْمِني أزَمات، يَتعلَّقون بالمحطّاتِ الزمنيّةِ علّها تكونُ أفضلَ من المحطّاتِ السياسيّة. لكن، هل ينتَمي لبنانُ فعلًا إلى القرنِ الحادي والعشرين حتى يَدخُلَ سنةَ 2018؟ 
لبنانُ الإبداعِ والحضارةِ؟ أَجَل. أما لبنانُ السياسةِ والانحطاطِ فَلا. شعبُ لبنانَ بارِعٌ كمجتمعِ إبداعٍ وفاشلٌ كجماعةٍ وطنيّة. ربِحَ العالمَ وخسِرَ بلدَه. العالَـمُ يختارُ منا الأفضلَ في دولِ الاغترابِ ونحن نختارُ منا الأسْوأ في التمثيلِ السياسيّ. لذا تَعثّرت الدولةُ الوِحدويّـةُ وتراجَعَ التغييرُ وهَيمَنت الاقطاعيّاتُ الميلشياويّـة. حَـرّكَتنا شَهوةُ السيطرةِ لا إرادةُ الشَراكة.
لَيتَنا نَـخرجُ من دنسِنا ونَلِجُ السنةَ الجديدة، وهي مليئةٌ بتحوّلاتٍ إقليميّـةٍ ودوليّـةٍ ذاتِ تأثيرٍ مباشَرٍ على لبنان. هذا الخروجُ لا يتطلب قرارًا سياسيًّا مفقودًا، بل إرادةً نفسيّةً / روحيّـةً تُعينُ العقلَ والضميرَ علَّها تُبدِّلُ في ممارساتِ الماضي وتُصالحُ القصورَ مع المِذوَد، فلا نَبقى مغارةَ ...
 

 

arabstoday

GMT 07:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

زحام إمبراطوريات

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 07:15 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ما بعد وقف إطلاق النار؟

GMT 07:12 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ماذا وراء موقف واشنطن في حلب؟

GMT 06:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أزمة ليبيا باقية وتتمدد

GMT 06:50 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ليس نصراً ولا هزيمة إنما دروس للمستقبل

GMT 06:46 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

العلاقات التركية السورية تاريخ معقد

GMT 06:44 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

السينما بين القطط والبشر!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

2018 سَنةً في سَنة 2018 سَنةً في سَنة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
 العرب اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 09:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 العرب اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:34 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل
 العرب اليوم - جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 هجمات على أهداف حيوية في إسرائيل

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 العرب اليوم - الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 05:57 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

المحنة السورية!

GMT 07:17 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

اليمامة تحلّق بجناحي المترو في الرياض

GMT 19:01 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

6 قتلى في قصف للدعم السريع على مخيم للنازحين في شمال دارفور

GMT 22:51 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يأمر بإخلاء شمال خان يونس "فوراً" قبل قصفه

GMT 20:03 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

القبض على موظف في الكونغرس يحمل حقيبة ذخائر وطلقات

GMT 20:27 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

دعوى قضائية على شركة أبل بسبب التجسس على الموظفين

GMT 22:06 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف واتساب في بعض هواتف آيفون القديمة بدايةً من مايو 2025

GMT 08:16 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة أسطورة التنس الأسترالي فريزر عن 91 عاما

GMT 18:35 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

العراق ينفي عبور أي فصيل عسكري إلى سوريا

GMT 18:29 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

قصف إسرائيلي على مناطق جنوب لبنان بعد هجوم لحزب الله

GMT 17:20 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

هنا الزاهد توجه رسالة مؤثرة إلى لبلبة

GMT 18:45 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

ولي العهد السعودي يستقبل الرئيس الفرنسي في الرياض

GMT 11:32 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الاحتلال ينسف مبانى بحى الجنينة شرقى رفح الفلسطينية

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 11:35 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

فقدان ثلاثة متسلقين أثناء صعودهم لأعلى قمة جبل في نيوزيلندا

GMT 21:48 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 08:11 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات تايلاند إلى 25 قتيلا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab