في ربيع 1981، قابلت د. هنري كسينجر في واشنطن، وجاء ذلك أعقاب اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، رحمه الله.
اهتم وقتها د. كسينجر أن يعرف أسباب ودوافع قتل الرئيس المصري.
رددت على سؤاله بسؤال: وألا تعرف وكالة الاستخبارات المركزية القصة كاملة حول هذه الجريمة؟
ضحك الرجل، وقال بصوته المميز الأجش، ذي النبرة الخاصة: «يا عزيزي، تمتلك هذه الوكالة أكبر أرشيف معلومات دقيقة ومفصلة حول البشر في هذا الكوكب، لكنها دائماً وأبداً لا تحسن تحليل وتفسير هذه المعلومات».
وهكذا في العلوم الطبيعية، هناك الوقائع والأرقام والإحصاءات، وهذا شيء بحد ذاته، ولكن نتائج تحليلها تختلف من عالم إلى آخر.
وفي علم المنطق، هناك مقدمات تؤدي إلى نتائج منسجمة مع هذه النتائج.
مثلاً: إذا وجّه الإنسان جهاز التكييف البارد نحوه وهو عارٍ (هذه مقدمة)، فسوف يصاب بالبرد (هذه النتيجة).
مثلاً، إذا أكلت بشراهة مرات عدة طعاماً شديد الدسم، عالي السعرات، فسوف يزداد وزنك.
مثلاً، إذا تجاهلت قدرة الله عليك، فسوف تنال عقابك في الدنيا أو الآخرة.
إذا أنفقت كل رصيدك في البنك، فسوف تفلس.
وإذا كنت حاكماً وظلمت وأفسدت، فسوف يثور عليك شعبك.
ورغم أن هذه وغيرها من الحقائق البديهية، إلا أن البشرية ما زالت منذ 7 آلاف سنة قبل الميلاد، وحتى تاريخ اليوم، تمارس وتكرر هذه الأغلاط، دون الاستفادة من منحنى التعلم بين الصواب والخطأ.
الفهم الصحيح للمعلومات التقنية، هو بداية الخيط، والتحليل المحايد البعيد عن الأهواء الشخصية أو العواطف المنحازة، يؤدي إلى النتائج الصحيحة.
وحينما سألوا رجل الأعمال «إيلون ماسك»، مالك شركة «تسلا» للسيارات الكهربائية، عن سر نجاحه الذي جعله صاحب أكبر شركة من ناحية القيمة في سوق المال الأمريكي، قال: «كنت وما زلت أحرص على معرفة أسباب خسائر غيري، حتى لا أكررها».
معظم الناس تحرص على معرفة وتحليل أسباب النجاح، ولكن كثيراً منهم يتجنب معرفة أسباب الفشل للشركات، للمشاريع، للتجارب الإنشائية، للحكومات، والعمليات العسكرية.
الزعيم الصيني «جن يات جين»، كان دائماً يقول فشلت 14 مرة في إقامة الصين الحرة ذات الجمهورية القومية المستقلة، ومع كل فشل، كانت ثروتي المعرفية في النضال تزداد، لذلك لم أخجل أبداً من الفشل.
استخدم العلم ولا تخجل من الفشل!