مخاطر التفسير التآمرى

مخاطر التفسير التآمرى

مخاطر التفسير التآمرى

 العرب اليوم -

مخاطر التفسير التآمرى

عماد الدين أديب
بقلم : عماد الدين أديب

فسَّرت «طهران» حركة الاحتجاجات الأخيرة فى المدن الإيرانية على أنها «مؤامرة تدخل من الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية»، على حد قول حسين سلامى قائد الحرس الثورى الإيرانى، أمس الأول، فى حديث تليفزيونى.

وتوعد حسين سلامى أمريكا وإسرائيل والسعودية بضربة عسكرية تؤدى إلى تدمير ثلاثتهم «إذا تجاوزوا الخطوط الحمراء»، على حد وصفه.

ولم يوضح «سلامى» ما هى «الخطوط الحمراء» التى يحذر منها، بل وصف إيران بأنها التزمت أكبر قدر من ضبط النفس ضد ما وصفه بـ«التحركات العدائية» لهذه الدول.

مرة أخرى يأتى التفسير الإيرانى مشابهاً لكثير من أنظمة العالم الثالث التى تواجه مآزق داخلية ضاغطة «بالتفسير التآمرى الآتى من الخارج».

لم يتحدث قائد الحرس الثورى عن قرار رفع البنزين الصادر عن الحكومة الإيرانية 200٪ رغم أن إيران رابع دولة فى المخزون النفطى وثانى دولة فى احتياطى الغاز.

لم يأتِ أى تفسير مالى أو اقتصادى لحركة الاحتجاجات الاجتماعية، ولم نرَ مراجعة نقدية من قبل النظام نفسه بهدف «الإصلاح والعدالة والاستقرار».

ولكن لماذا يميل البعض من صناع القرار إلى اعتماد «نظرية المؤامرة» فى تفسير أسباب الأزمات الكبرى؟

الإجابة ببساطة: لأنها مريحة تماماً، تعفيهم من المسئولية، وتلقى باللوم على الآخر.

ولعل الجنرال الفرنسى شارل ديجول كان أكثر مَن انتبه إلى ضرورة الابتعاد عن نظرية التحليل التآمرى.

كان الجنرال ديجول من أكثر الشخصيات الأوروبية المعروف عنها «العناد السياسى والاعتداد الشديد بالكرامة الشخصية والعزة والسيادة الوطنية».

رغم تلك الصفات الشخصية لدى الجنرال ديجول إلا أنه كان يقول فى مجالسه الخاصة وخطبه السياسية إن «الإصلاح الحقيقى يبدأ من نقطة جوهرية لا بديل عنها وهى ضرورة الاعتراف بالخطأ وتحديد أسبابه والمسئولين عنه».

والحريص بحق على الشعب الإيرانى عليه أن يطلب من صانع القرار فى طهران النظر بعين العطف والتفهم لأوجاع شرائح كثيرة تعانى من صعوبات الحياة نتيجة انخفاض قيمة العملة الوطنية، وارتفاع معدل البطالة بالتلازم مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وللأمانة، لا بد من القول إن الضغوط الاقتصادية الخانقة التى تفرضها إدارة ترامب على إيران لها أثر عظيم فى معاناة الاقتصاد الإيرانى الذى يواجه عقوبات قاسية مستمرة فى القسوة والتصعيد.

مصارحة النفس فريضة واجبة على الطبقة السياسية فى إيران حتى يتم تحديد الوزن النسبى الحقيقى لآثار العقوبات من ناحية، وأخطاء الإدارة السياسية والاقتصادية فى «إدارة الأزمة».

التشخيص السليم للمشكلة يؤدى بالضرورة إلى إيجاد الحلول السليمة، أما التشخيص القائم على نظرية المؤامرة الخارجية وحدها فهو يعفى أصحاب القرار فى طهران من مسئوليتهم تجاه البلاد والعباد.

من يعتقد أن الاقتصار على تفسير كل الأزمات على نظرية التآمر الخارجى فحسب فيه إنقاذ وإفلات من المسئولية، هو مخطئ تماماً.

إن اتباع نظرية المؤامرة الخارجية وإعفاء النفس من تحمل أى تبعات وأى مسئولية حقيقية عن الأزمات هو أمر يؤدى إلى كثير من الضحايا أولهم من يتبنى تلك النظرية!

لا يمكن لعاقل موضوعى مخلص فى طهران أن يفسر كل ما حدث مؤخراً فى إيران والعراق ولبنان على أنه «مؤامرة شريرة» فحسب، وكأن هذه الملفات خالية من الأخطاء والخطايا وحالات الفساد والظلم والاستبداد.

وكأن هذه الملفات خالية من الوجع الاجتماعى والقهر السياسى ومعاناة الملايين من الشيوخ والأرامل والشباب العاطل، والأطفال الذين يفتقدون الأمل فى المستقبل.

الذى ينكر تمام الإنكار أن هناك «عناصر حقيقية وموضوعية تؤدى إلى انفجار غضب الناس» هو نفسه يصبح المشكلة، وفهمه المغلوط يصبح أزمة، وتفسيره التآمرى يجعله أكبر متآمر على ذاته.

اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون.

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطر التفسير التآمرى مخاطر التفسير التآمرى



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 12:06 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

أنغام في أول حفل بعد أزمة عبد المجيد عبدالله
 العرب اليوم - أنغام في أول حفل بعد أزمة عبد المجيد عبدالله

GMT 06:42 2025 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

غوغل تكشف موعد تغيير تسمية خليج المكسيك
 العرب اليوم - غوغل تكشف موعد تغيير تسمية خليج المكسيك

GMT 12:06 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

أنغام في أول حفل بعد أزمة عبد المجيد عبدالله

GMT 11:50 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تكشف حقيقة زواجها سرّاً

GMT 11:53 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تكشف أسلوبها في التعامل مع التنمر

GMT 11:59 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

روجينا توجّه رسالة مؤثّرة لرانيا فريد شوقي

GMT 06:42 2025 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

غوغل تكشف موعد تغيير تسمية خليج المكسيك

GMT 15:48 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

محمد إمام يشعل مواقع التواصل برسالته لعمرو دياب

GMT 15:45 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

هيدي كرم تعلن رأيها في عمليات التجميل

GMT 15:52 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

رانيا فريد شوقي تردّ على التنمر بها

GMT 16:12 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

إياد نصار يتحدث عن تحديات مسلسله في رمضان

GMT 10:55 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

حكومة غزة تحذر المواطنين من الاقتراب من محور نتساريم

GMT 16:19 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

صابر الرباعي يطرح أحدث أغانيه مخزون السعادة عبر يوتيوب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab