عصر “مقاومة ترامب”

عصر “مقاومة ترامب”!

عصر “مقاومة ترامب”!

 العرب اليوم -

عصر “مقاومة ترامب”

بقلم : عماد الدين أديب

ماذا سيفعل دونالد ترامب بالعالم، وبالمنطقة، وبنا؟

سؤال “المليار دولار” الضاغط على عقول حكّام وأنظمة العالم منذ أن أُعلن فوز الرجل بمنصب الرئاسة. هذا السؤال لا أحد، سواء كان شخصاً أو زعيماً أو جهاز استخبارات، استطاع أن يحدّد إجابة قاطعة حاسمة له. إنّها حالة الانتظار القلِق، المتوتِّر، الذي وصل بالجميع إلى حالة من عدم التيقّن.

نحن أمام حالة من الاحتمالات المفتوحة بسبب رجل فرديّ القرار، متقلّب المزاج، شخصانيّ الميول، منفلت وغير منضبط في التوجّهات. يضاف إليه في هذه الرئاسة أنّه يشعر بفائض قوّة غير مسبوق (6 ملايين صوت شعبي، أغلبيّة شديدة في المجتمع الانتخابي، أغلبية في مجلسَي الشيوخ والنوّاب).

خلاصة هذه العناصر مجتمعة أنّنا الآن أمام زعيم أقوى دولة في العالم يمارس بلا قيود حالة من “التضخّم النفسي” الحادّ في الشخصية السياسية. إنّه يتصرّف مثل قيصر روما الذي يدير ولايات العالم بصفتها قوى تابعة منصاعة له، أو مثل هولاكو الذي بعث لزعماء العالم تهديداً: “ارفع الراية البيضاء تسلم”، أو نابليون الذي يطلب دقّ أجراس أوروبا إعلاناً للولاء الكامل للإمبراطور الجديد، أو مثل ستالين الذي يرى الصواب امتيازاً حصريّاً له وحده من دون سواه.

الجديد أنّه لا يستخدم حراب القيصر وهولاكو ونابليون وستالين وخيولهم ومدافعهم، لكنّه يستخدم أسلحة العقوبات الاقتصادية والحصار التجاري وفرض غرامات التعرفة على البضائع أو “التهديد الأعظم بالجحيم” من دون أن يطلق رصاصة واحدة.
الأزمة التي يواجهها دونالد ترامب هذه الأيام هي أزمة اكتشاف أنّ هناك فجوة هائلة بين ما يتخيّل أنّه قادر على فعله في هذا العالم وما بين صعوبات وحقائق الواقع

هؤلاء كوّنوا فكر ترامب

في زيارتي الأخيرة للعاصمة الأميركية قابلت أحد كبار الباحثين في مركز استراتيجي بواشنطن أجرى دراسات معمّقة عن شخص ترامب، الذي قال لي: هناك 3 شخصيات لعبت دور تكوين وجدان وفكر وشخصيّة دونالد. ج. ترامب:

    والده، وهو رجل قليل العاطفة، شديد الحرص المرضيّ على المال.
    محاميه في بدء حياته العملية روي كوهين، وهو محامٍ فاسد يربح قضاياه من خلال الابتزاز الرخيص للقضاة أو المنافسين.
    ستيف باتون، اليمينيّ المتشدّد صاحب فلسفة الشعبوية السياسية، الذي كوّن له جمهوره الأميركي اليميني المتطرّف، وكان مهندس فوزه في معركة الرئاسة الأولى.

كلّ هؤلاء الثلاثة باعهم ترامب. ترك والده واستقلّ بأعماله وطرد محاميه روي كوهين وباع ستيف باتون في فترة رئاسته الأولى.
المشكلة عند ترامب أنّه حتّى الآن يعيش “سكراناً” من نشوة كؤوس الانتصارات

3 مبادىء أساسيّة

من أهمّ دروس روي كوهين له، التي ما زالت تمثّل فلسفته في الحياة والسياسة، 3 مبادىء:

    دائماً هاجم، هاجم، هاجم بلا توقّف.
    أنكر كلّ الأخطاء ولا تعترف بأيّ منها.
    لا تعترف أبداً بأيّ فشل أو بنتائج أيّ هزيمة!!

أزمة الأزمات التي يواجهها دونالد ترامب هذه الأيام كما يراها مسؤول خليجي رفع المستوى، هي أزمة اكتشاف أنّ هناك فجوة هائلة بين ما يتخيّل أنّه قادر على فعله في هذا العالم وما بين صعوبات وحقائق الواقع. وكما يقول الطبّ النفسي، إنّها أزمة مرضى “تضخّم الوهم”.

لا يزال “سكراناً”

المشكلة عند ترامب أنّه حتّى الآن يعيش “سكراناً” من نشوة كؤوس الانتصارات. إنّها انتصارات واستجابات سريعة من زعماء روسيا وأوكرانيا وزعماء الاتّحاد الأوروبي وقادة الأطلسي، ورغبة كلّ من الصين وإيران بالحوار، وقبول بنيامين نتنياهو وحماس والزعامات اللبنانية بالتهدئة والسير في تسويات. ولكنّ الشيطان يكمن في التفاصيل.

يقول سياسيّ تعامل مع ترامب في رئاسته الأولى: “الرجل تكتيكيّ، مبتزّ، وبارع في سياسة حافة الهاوية”، التي اتّبعها في حياته، لكنّه بالتأكيد بلا استراتيجية!

هكذا ترامب تكتيكيّ، غير بارع في التفاصيل التي تؤدّي إلى استراتيجية نهائية غير محدّدة أو واضحة تماماً لديه. يريد فقط “النجاح في الصفقة”، فالمهمّ أن ينجح وليذهب كلّ الأطراف إلى الجحيم حتى لو خسروا كلّ شيء.
يقول سياسيّ تعامل مع ترامب في رئاسته الأولى: “الرجل تكتيكيّ، مبتزّ، وبارع في سياسة حافة الهاوية”

الحقيقة المرّة

بعد أوّل مائة يوم من تقويم رئاسته، سوف يكتشف ترامب الحقيقة المرّة المستمدّة من الواقع المعيش، وهي أنّ صراعات العالم وأنظمته وثوراته وأراضيه وحكّامه وشعوبه ليس بالإمكان التصرّف بهم بتلك السهولة التي يتخيّلها، وأنّ هناك عناصر حاكمة وموازين قوى استقرّت بعد الحرب العالمية الثانية يصعب التلاعب بموازينها أو العبث بقواعدها المنظّمة.

الحقيقة المرّة التي ستواجه ترامب، صراعاً بعد صراع، أزمةً بعد أزمة، قراراً تنفيذيّاً تلو آخر، هي أنّ ما يتمنّاه قيصر العالم الجديد لن يتحقّق كما يريد بالضبط، وكثير من أمنياته ورغباته وتصوّراته سوف تتحطّم على الصخرة السياسية الواضحة (real politique) وليس على imaginary politics، أي السياسة الافتراضية.

مثلاً في الدنمارك توحّدت الأحزاب، الموالاة والمعارضة والرأي العامّ، ضدّ فكرة بيع أو تأجير غرينلاند.

مثلاً، قيل لوزير الخارجية الأميركي الجديد ماركو روبيو عند زيارته بنما إنّ الحكومة على استعداد للحوار، لكن ليست على استعداد للتنازل أو المقايضة على قناة بنما.

مثلاً، قال الرئيس بزشكيان إنّ إيران ترغب في الحوار مع الرئيس ترامب، لكنّها تعتقد أنّ سياسة الضغوط المفروضة على إيران لن تأتي بأيّ نتائج.

مثلاً، قرّرت كندا والمكسيك والصين والاتّحاد الأوروبي اتّخاذ إجراءات حمائية مضادّة لإجراءات ترامب التي استهدفت بضائعهم.
سوف يكتشف ترامب الحقيقة المرّة  وهي أنّ صراعات العالم وأنظمته وثوراته وأراضيه وحكّامه وشعوبه ليس بالإمكان التصرّف بهم بتلك السهولة التي يتخيّلها

السّعوديّة بالمرصاد

بعد مؤتمره الصحافي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن، أصدرت الخارجية السعودية بوقائعه بياناً فجر اليوم نفسه بتوقيت الرياض، وُصف بأنّه من أشدّ البيانات الدبلوماسية للخارجية السعودية في ربع القرن الماضي، وترفض فيه تماماً بشكل لا يحمل التأويل إقامة أيّ علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون وجود مسار جدّي يؤدّي إلى دولة فلسطينية مستقلّة وعاصمتها القدس الشرقية.

كذلك كان اجتماع القاهرة السداسيّ الذي رفض فكرة التهجير. بعد ذلك توالت بيانات الإمارات ومصر والأردن وفرنسا وروسيا والصين.

تكتيك الاستقواء العلنيّ، والتهديد بالعقوبات القصوى بلهجة آمرة مستبدّة، قد ينفع في تحسين بعض شروط التفاوض، لكنّه لا يمكن أن ينجح في معادلة صفريّة تقوم على أن ينصاع العالم لأوامر ترامب حتى لو ضحّوا بسيادتهم وأرضهم وكرامة شعوبهم.

إنّها 4 سنوات من حكم ترامب اللامعقول، سوف تظهر نتائجها القريبة في أوّل انتخابات تجديد للمجلس التشريعي الأميركي بعد عام.

فلننتظر ونتحمّل ونصمد.

arabstoday

GMT 08:31 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

سيكون على إيران القبول بحكومة نوّاف سلام!

GMT 08:28 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

لا التأجيج ولا التحشيد ولا التخويف

GMT 02:27 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

بدل مشروع مارشال

GMT 02:14 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

غزة... الريفييرا و«الدحديرة»!

GMT 02:01 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

عِظة ترمب... وانفجاراتنا

GMT 01:59 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

وفاة آغاخان إمام النزارية

GMT 01:55 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

أحد أشكال الوعي اللبناني الأردأ...

GMT 01:50 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

ترمب و«حماس» ومشروع «غيورا آيلاند»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصر “مقاومة ترامب” عصر “مقاومة ترامب”



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 02:42 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"
 العرب اليوم - شولتس ينتقد مقترح ترامب بشأن غزة ويصفه بـ"فضيحة"

GMT 02:14 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

غزة... الريفييرا و«الدحديرة»!

GMT 08:31 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

سيكون على إيران القبول بحكومة نوّاف سلام!

GMT 16:16 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

60 شاحنة إغاثية سعودية تنطلق إلى سوريا

GMT 15:13 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

حصيلة شهداء الحرب على غزة تتجاوز 48 ألفا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab