إذا قصرنا سبب كل الجرائم التي تتم على أرض غزة وحددناها في شخص نتنياهو – فقط – فإننا علمياً نقوم بتسطيح السبب ونرتكب خطأ جسيماً في حق فلسفة التاريخ، وحق الأدوات العلمية لتفسيره وفهمه.
ويقول «أدوار كار» في كتابه البديع «ما هو التاريخ؟»: «إن تفسير غليان اللبن على أنه نتيجة ارتفاع درجة الحرارة قد يكون صحيحاً لكنه ليس التحليل السليم وليس السبب الوحيد».
ويرى أينشتاين، مكتشف قانون النسبية، «أنه لا يوجد مسبب واحد فقط لتفسير أي ظاهرة علمية».
إذن في حالة غزة، ما هي جملة الأسباب التي أدت لما وصلنا إليه:
تاريخياً: صراع اليهودية والمسيحية، وصراع الوجود العربي مع الوجود العبراني.
تاريخياً: اتفاق السلطنة العثمانية وهي تحتضر على التضحية بالعالم العربي ومنها فلسطين للإنجليز.
تاريخياً: معاهدة سايكس بيكو 1916.
تفاعل قرارات مؤتمر «بازل» لإقامة وطن قومي لليهود.
بدء تشجيع هجرة اليهود قبل الحرب العالمية الثانية وزيادتها بعد الشعور بضرورة التكفير عن ذنب محارق هتلر.
قرار التقسيم لفلسطين ورفض العرب له.
ظهور عبد الناصر وحربي 1956 و1967.
حدثت حرب 1973 لتؤدي إلى معاهدة السلام ثم اتفاق أوسلو.
وصول نتنياهو للحكم واستمراره كأطول رئيس حكومة في إسرائيل، ووصول «حماس» للسلطة في غزة.
«القسام» تعد لضربة جديدة عقب جولات الصراع مع إسرائيل.
نتنياهو يعتقد أنه استحوذ على «حماس» بعد موافقته على تحويل قطر للدفعات الشهرية لغزة وأنه بذلك قسم الصف الفلسطيني.
إيران تقرر عدم المواجهة المباشرة مع إدارة بايدن مقابل الإفراج التدريجي عن أرصدتها ورفع العقوبات.
قرار إيران بتحريك الوكلاء في المنطقة.
عملية «طوفان الأقصى» بدأت لأسباب خاصة بـ«حماس» للانتقام من إسرائيل، ومن أجل تحقيق شعبية في الشارع الفلسطيني، ولتحريك القضية سياسياً ولتدعيم قيادة «القسام» أمام «حماس» ولإفساد أي محاولات للتقارب بين تل أبيب والرياض، بما يخدم مصالح طهران.
رد فعل نتنياهو المتهم جنائياً، والضعيف سياسياً، والأسير السياسي لتيار اليمين الديني، والمحرج أمام المؤسستين العسكرية والأمنية لإهماله تحذيراتهما من العملية المقبلة من «حماس».
الجيش يريد رد كرامته، «الموساد» و«الشين بيت» يريدان إثبات عدم فشلهما الأمني.
جو بايدن، الديمقراطي، يريد إعطاء كل دعم لإسرائيل مقابل مقايضة ذلك بالدعم الكامل من «الإيباك» في معركته الانتخابية.
زعماء فرنسا وبريطانيا وألمانيا المأزومون سياسياً واقتصادياً يريدون إثبات الولاء لقوة جماعات التأثير اليهودية في بلادهم.
السلطة الفلسطينية ما بين ضرورة دعم الأشقاء في غزة وبين العداء التقليدي مع «حماس».
وهناك مئات العناصر التي لا يتسع المجال لإحصائها وسردها لتفسير تاريخ ما حدث وأدى إلى مجازر غزة واستمرار العمليات العسكرية التي تسعى إلى إنهاء «حماس»، وإنقاذ الرهائن، وتفريغ غزة من سكانها، وتحجيم «حزب الله» في آن واحد!! نعود ونقول، قصر التحليل على سبب واحد، مهما كان تأثيره، هو تسطيح مخلٍ لقواعد التحليل العلمي. هكذا علّمنا العلم، وهكذا يعلّمنا التاريخ.