عماد الدين أديب
على مقهى باريسي، حيث يجلس المدخن مضطرا إلى طاولة في الهواء البارد الطلق، اقتحم عزلتي شاب عربي، متحمس كالعادة، غاضب بطبعه، غير متفائل بشدة! ودار بيننا الحوار التالي:
الشاب: يا أستاذ هل قرأت الصحف أمس.. إنها مليئة بالأخبار المزعجة؟
العبد لله: وما الذي أزعجكم يا صديقي؟
الشاب: خبر عن اتفاق أميركي - روسي حول الأوضاع الحالية في سوريا.
العبد لله: وما الذي يزعجك في هذا الأمر؟
الشاب: اختلاف موسكو وواشنطن فيما بينهما رحمة، لأنهما إذا اتفقا علينا، فقد قُضي علينا وعلى مصالحنا لا محالة.
العبد لله: بالعكس؛ هناك نظرية تقول إن اتفاق الكبار لمصلحة الصغار.
الشاب: كيف؟
العبد لله: إذا اتفق الكبار على تسوية قضية أو مسألة ما، فإن ذلك يضمن النجاح بأقل تكلفة ويمنع استخدام الكبار للصغار في لعبة حروب بديلة عن الكبار.
الشاب: هذه وجهة نظرك أنت، واسمح لي أن أؤكد لك أنها خاطئة تماما.
العبد لله: اثبت لي خطئي لو سمحت!
الشاب: إذا اتفق الكبيران فهما لا يفكران إلا في مصالحهما بصرف النظر عن الثمن الباهظ التي يمكن أن يدفعه الصغار.
العبد لله: كيف.. أعطني أمثلة أو دلائل على صدق كلامك؟
الشاب: هل تذكر مؤتمر لندن لتحجيم مصر «محمد علي»، وهل تذكر اتفاق سايكس – بيكو، وهل تذكر قرار تقسيم فلسطين، وهل تذكر عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001..؟ كل ذلك يتم لحساب الكبار وضد مصالح الصغار.
العبد لله: وما الذي يزعجك في اتفاق موسكو وواشنطن حول سوريا؟
الشاب: لقد اتفق جون كيري مع نظيره الروسي لافروف على عقد لقاء مشترك مع فصائل المعارضة السورية بهدف تحديد شكل الخطوات السياسية المقبلة التي يتعين على المعارضة أن تتخذها.
العبد لله: وما وجه الخوف من ذلك الأمر؟
الشاب: سوف يضغطا على المعارضة من أجل الحوار مع النظام الأسدي ورموزه؟
العبد لله: وما الذي أوصلك إلى تلك النتيجة؟
الشاب: لقد أدرك الأميركان أنه لا حل عسكري نهائي، ولا منتصر كامل في الأعمال العسكرية الدائرة على الأراضي السورية، كما أن واشنطن في حاجة لاستمالة روسيا هذه الأيام بسبب الأوضاع في كوريا الشمالية والخلاف الياباني - الصيني الحدودي.
العبد لله: وهل هذا بالضرورة على حسابنا؟
الشاب: يبدو أنك فاقد التركيز صباح اليوم يا سيدي.. أرجو أن تشرب فنجانا من القهوة وتستيقظ من غيبوبتك.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"