عماد الدين أديب
بينما كنت جالسا على شرفة محل فول شعبي في عاصمة عربية أستمتع بتناول طعام الإفطار حالما بكوب من الشاي يختتم هذه الوجبة الرائعة فإذا بشاب عربي غاضب يقتحم علي عزلتي ويوقف آخر لقمة فول بالحمص في حلقي.
صرح الشاب الغاضب هاتفا: يا أستاذ كيف تطاوعك نفسك وتتناول الطعام بينما العالم العربي على حافة الهاوية؟
العبد لله: أعرف أنه على حافة الهاوية ولكن هل هذا يمنع من تناول الفول؟
الشاب: لا فول ولا حمص، لا فلافل ولا شاورمة يا أستاذ، يجب أن تتوقف الحياة تماما لحين عودة القدس، وعودة النازحين السوريين، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، ونهاية الفساد الحكومي، وإيقاف شبكات المصالح الشخصية في دوائر الحكم العربية؟
العبد لله: إذا كنت تريد أن ننتظر حتى يتحقق ذلك كله، فإننا جميعا سوف نموت جوعا لأن تحقيق كل هذه الأحلام سوف يحتاج إلى قرون وسنوات!
الشاب: يا أستاذ أنتم جيل متقاعس، ليس لديكم خيال سياسي، وأدمنتم الإحباط والتراجع والانصياع إلى كل أشكال الأمر الواقع.. أين الغضب؟ أين الثورة على الأوضاع الراهنة؟ أين الرغبة في التغيير؟
العبد لله: التطور لا يأتي بالنوايا الحسنة فحسب، ولكن يحتاج إلى جهود حقيقية، ويحتاج إلى رجال قرروا أن يحبوا أوطانهم أكثر من حبهم لأنفسهم والمصالح الشخصية الضيقة.
الشاب: وهل عقم العالم العربي أن يلد مثل هؤلاء الرجال؟
العبد لله: بالعكس عالمنا العربي مليء بهؤلاء ولكن الأزمة الكبرى هي أننا نعيش في عصر يسيطر عليه التفكير التآمري!
الشاب: كيف يا أستاذ؟
العبد لله: نحن نعتقد أن انفجار ماسورة مياه في حارة جانبية في أصغر قرية عربية تم بعد تخطيط في الموساد الإسرائيلي وبتمويل من «سي آي إيه» الأميركية وبمتابعة دقيقة من الاستخبارات البريطانية وبتنفيذ دقيق من المخابرات التركية!
الشاب: أوليس ذلك صحيحا؟ أليست هناك مؤامرات تحاك في الخفاء لشعبنا العربي الصبور وأمتنا العربية المخترقة؟
العبد لله: التاريخ فيه مؤامرات، لكنه ليس كله مؤامرة واحدة كبرى! يجب ألا يسيطر علينا هذا النوع من التفكير المخيف.
الشاب: لماذا يا أستاذ؟
العبد لله: لأنه يلقي باللوم دائما على مؤامرة الغير تجاهنا ويلغي عنا مسؤولية الغباء السياسي، والفشل في الإدارة للأزمة، والتأخر الشديد في التحرك تجاه الحدث.
قلت كلمتي هذه والتهمت آخر لقمة فول!