بقلم : محمد يوسف
الأمة العظيمة لا تنكسر ولا تضمحل، كبيرة في مآسيها وأحزانها وهزائمها، وكبيرة في استفاقتها وأفراحها وانتصاراتها، تنفض الغبار عن كاهلها، وتكمل المسيرة، لا تعيش تحت ركام الأنقاض، تعمر الأرض وما فوقها، وتمضي قدماً، تخرج من كبوة تلو أخرى وهي أكثر قوة وإصراراً على أداء رسالتها.
إنها أمة حاملة للأمانة، فلا خوف عليها، ولا هم يحزنون، فإشراقة الغد دوماً تحمل أملاً وتفاؤلاً نحو الآتي من بعيد، فإن غربت الشمس لن نلعن الظلام، ولن نتحسر على ما فات، ولن نبكي على الأطلال، بل نفتح طاقات مع الذي لا يغفل ولا ينام ولا يخذل عباده الصالحين، ونودع أمانينا وأحلامنا عنده قبل أن نرسل أحزاننا ومصائب إخوتنا.
تكالبت علينا الأمم، قطعت أوصالنا، ومزقت أجسادنا، وجلست فوق خرائبنا، نعم، كل ذلك يحدث أمامنا وبيننا فيفتت قلوبنا حسرة، لكنه يزيد من عزمنا، ويكشف لنا معادن رجالنا، ففي كل زمان كان هناك الأشرار، وكان شياطين الأرض ينبتون في وسطنا، والخوارج يهدمون كل ما بيننا، فيخرج لهم في كل بقعة رجل يوازي أمة في صلابته وشجاعته، وفي إصراره على حماية الرسالة التي أوكلت إليه، فالأمانة مصانة، والتكليف محفوظ، والرموز بارزة، والشياطين مدحورة.
إنني أدعوكم، أدعو كل الناس، أن يجلسوا خلف شاشات التلفزيون اليوم، من الشروق وحتى الغروب، ويقرؤوا الحقيقة الآتية إليهم من مشعر عرفة، هناك في الأرض الطاهرة، فاليوم يوم الحج، يجتمع أكثر من ثلاثة ملايين شخص في لحظة واحدة، وساعات معدودة. متساوون، لا يعرف من أين جاؤوا أو إلى أين هم ذاهبون بعد العيد، تسقط أسماؤهم، وتختفي صفاتهم، وتزول ألقابهم، وتمحى طوائفهم، ولا ينتسبون إلا لشيء واحد، لدينهم وأمتهم.
شاهدوا، وتمعنوا، وتلفتوا حولكم، ولن تروا غير النور يشع في الآفاق، نور ينير دروب الأمة العظيمة التي لا تنكسر ولا تضمحل ولا تعيش إلا تحت الشمس، عزيزة كريمة محبة وشامخة.
وعيدكم مبارك.