أمين الشرطة

أمين الشرطة

أمين الشرطة

 العرب اليوم -

أمين الشرطة

مصطفى الفقي

كان الراحل العلامة د. «حامد ربيع» يقول لنا فى منتصف ستينيات القرن الماضى ونحن طلاب فى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد «جامعة القاهرة» إن هناك نموذجًا فى تاريخ الفكر السياسى يسمى نموذج «صف الضابط»، الذى يتأرجح أصحابه بين طرفين، فلا هو ضابط يتألق ولا هو جندى يتملق، فوضعه يبدو غير مريح له ولغيره، وعندما قرر الراحل «شعراوى جمعة»، وزير الداخلية الأسبق فى «العصر الناصرى»، أن يبدأ تجربة تخريج أمين للشرطة بعد الحصول على الثانوية العامة أو ما يعادلها فإنه كان يهدف إلى الارتقاء بمستوى الشرطة المصرية، بحيث تكون هناك درجة وسطية يمكن التعامل معها والاعتماد عليها، وكانت التجربة فى بدايتها ذات بريق حتى إن «سعاد حسنى» غنت قائلة «متقولش أمين شرطة اسم الله ولا دبلوماسى»، وكان طموح كل أمين شرطة هو أن يتحول إلى ضابط إذا حصل على درجة «ليسانس» الحقوق، ومضت التجربة فى بدايتها ناجحة إلى أن زاد العدد وتضخمت المشاكل واختلط الواقع السياسى بالأمن الجنائى بالمناخ الاجتماعى والثقافى، فأصبحنا أمام نموذج مركب بل معقد، أقول ذلك بمناسبة وجود أمناء الشرطة طرفًا فى كثير من المواقف الملتبسة والمشاكل اليومية، ولعل آخرها هى أزمة مستشفى «المطرية»، التى أدت إلى مواجهة بين الأطباء وجهاز الشرطة نتيجة الأحداث المؤسفة التى جرت بين بعض أمناء الشرطة وأطباء مستشفى «المطرية» منذ أيام قليلة، ويهمنى هنا أن أطرح الملاحظات التالية:

أولًا: لا بد أن نعترف بأن أحوال «الأطباء الجدد» الذين يتدفقون كل عام من كليات الطب المختلفة ليست مرضية، فهم لا يجدون العائد الذى يتناسب مع الجهد الدراسى والمشقة العلمية التى أنفقوها لعدة سنوات، فدخولهم متدنية، وباستثناء اللوامع منهم أو ذوى المحظوظية العائلية داخل «الأسر الطبية»، فإن إمكاناتهم المادية ضعيفة، وهم فى مجملهم محبطون ويَجْأَرُونَ بالشكوى فى كل مناسبة، ولكن ذلك ليس مبررًا لأن يرفض طبيب الاستقبال فى مستشفى «المطرية» علاج أمين الشرطة المصاب حتى ولو كان امتناعه يعود لأسباب سياسية أو دوافع عقائدية، إن قسم «أبقراط» يلزم الطبيب بمعالجة مريضه دون اعتبار لموقف سياسى أو رأى عقائدى أو اختلاف فى الدين أو اللغة أو الجنس أو اللون، فالطب رسالة نبيلة ومهمة سامية لا يتدخل فيها أى عامل آخر إلا العلاقة المباشرة بين المريض وطبيبه، وليست لدى معلومات مؤكدة عما جرى بعد رفض الطبيب فى مستشفى «المطرية» علاج أمين الشرطة، ولكنى أتصور أن رد الفعل كان عنيفًا، لأن الامتناع عن علاج مريض أو مصاب هو جريمة بكل المعايير المهنية والأخلاقية.

ثانيًا: إن أمناء الشرطة على الجانب الآخر لا يتوقفون عن الشكوى بسبب أو بغير سبب، فهم مثل غيرهم من الفئات التى تحاول الحصول على ميزات إضافية فى ظروف استثنائية لم يفكروا فيها فى الظروف العادية من قبل، فمعظم الفئات تنتهز فرصة ما بعد الثورتين لتحقيق مكاسب فى ظل ظروف اقتصادية صعبة، حيث تعانى خزانة الدولة من جراء ما حدث فى الأعوام الخمسة الأخيرة، بل وما قبلها، وأظن أن وزارة الداخلية تسعى جاهدة لحل مشكلات أمناء الشرطة ورفع مستواهم الاجتماعى والثقافى، ولقد بذلت فى ذلك جهدًا ملموسًا، كما أنها تحاول أن ترفع من كبرياء أمين الشرطة واعتزازه بنفسه كصورة مقبولة للشرطة المصرية، ولكن مازالت هناك ثغرات ونقاط ضعف يجرى علاجها، وقد اعتصم أمناء الشرطة منذ عدة شهور وتعاملت معهم الدولة برفق ملموس وحققت جزءًا من مطالبهم المعقولة.

ثالثًا: لابد أن نسجل هنا وبكل أمانة أن فئات متعددة وقطاعات مختلفة مازالت تعيش حالة من الاحتقان المختلط بالإحباط بسبب الظروف المتقلبة التى مرت بها البلاد فى السنوات الأخيرة والأطباء ورجال الشرطة ليسوا استثناءً من ذلك.

رابعًا: دعنا نؤكد هنا أن جزءًا كبيرًا من مشكلاتنا لا يتم علاجه عند «المنبع»، بل يبقى حتى يستفحل، فقد علمت أن أطباء مستشفى «المطرية» قد تنازلوا عن شكواهم ثم عادوا بعد عدة أيام ليبدأوها من جديد! وأنا لا أعفى قوى سياسية مختلفة من العبث فى القطاعات الحساسة ومرافق الدولة المهمة، وفى مقدمتها المرفق الصحى ...

وأنا أدعو إلى مزيد من اليقظة، فالشرطة المصرية مستهدفة منذ عدة سنوات لإسقاط هيبة الدولة وإحداث حالة من التوتر بين أفرادها وقطاعات الشعب المختلفة، كما أننا ندرك جيدًا أن «الطب المصرى» محل حقد من تيارات سياسية ترى فيه مطمعًا جاذبًا لوجودها وتحاول عبر السنين اختراقه، وقد حققت فى ذلك نجاحًا نسبيًا من قبل، ولكن الأغلب الأعم من أطباء «مصر» وطنيون مخلصون لا يعرفون إلا الأرض الطيبة، ولا يؤمنون إلا بالوطن العريق، ولا يخدمون إلا الشعب الذى خرجوا منه، وهو الذى أنفق على تعليمهم واعتز بكفاءاتهم.

خامسًا: هل أجد حرجًا فى أن أقول إن قضية «العدالة الاجتماعية» مازالت هى جوهر المشكلة الكبرى التى قامت من أجلها ثورتا يناير 2011 ويونيو 2013، فالإحساس مرير بالتفاوت الطبقى والشعور بالدونية أمام مظاهر الإسراف والبذخ لدى فئات محدودة لا تدرك أهمية البعد الاجتماعى فى سلامة الوطن واستقرار فئاته، فالطبيب الصغير يعانى وأمين الشرطة يشكو وليس لدى البلاد حاليًا من الموارد المتاحة ما يلبى كل المطالب المعقولة أو غير المعقولة، فـ«مصر» لم تبرح «غرفة الإنعاش» بـ«المفهوم الطبى»، ولم تبرأ من آثار الجرائم فى حقها بـ«المفهوم الشرطى»، إننا أمام تحديات بغير حدود ومشكلات لا تنتهى.

إن أمين الشرطة هو ابن لهذا الوطن يعمل فى سبيله ويضحى من أجله، والطبيب الشاب «أيقونة» وطنية نعتز بها فى كل الظروف!

arabstoday

GMT 09:43 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 09:42 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

كيف نتعامل مع سوريا الجديدة؟

GMT 09:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

سيناء فى عين الإعصار الإقليمى

GMT 09:39 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

متى يخرج السيتى من هذا البرميل؟!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 09:35 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 09:33 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 09:30 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمين الشرطة أمين الشرطة



GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab