نظرة إلى المستقبل

نظرة إلى المستقبل

نظرة إلى المستقبل

 العرب اليوم -

نظرة إلى المستقبل

مصطفى الفقي

لقد استغرقنا فى الماضى طويلًا، وعشنا عقودًا نلوك الأحداث التى جرت والأسماء التى عبرت فى شريط الذاكرة المصرية، وقد حان الوقت لكى ننظر أكثر إلى الأمام، لأن ما هو قادم يبدو أكثر أهمية من ماضينا، بل من حاضرنا أيضًا، إذ إن كل يوم جديد يحمل معه تطورات لم تكن فى الحسبان ومواقف غير متوقعة، فإيقاع الحياة سريع على المستويين الفردى والجماعى بصورة تدفعنا إلى ضرورة ملاحقة التطورات السريعة و«دراما» الأحداث الدامية فى المنطقة، إننا فى مفترق الطرق، ويكاد الأمر يتلخص فى أن نكون أو لا نكون، إن ما جرى فى السنوات الأربع الأخيرة يزيد فى أهميته عما جرى فى الأربعين عامًا السابقة عليه، ولقد كانت التغييرات المتلاحقة مثار ترقب دائم ودهشة مستمرة، إذ إن التحولات التى عايشناها كانت كاشفة ومنشئة فى ذات الوقت- على حد تعبير القانونيين- فهى كاشفة للماضى، إذ دفعت بكم هائل من المعلومات لم تكن معروفة من قبل إلا لدى قطاع محدود من القيادات المسؤولة، كما أنها منشئة أيضًا، لأنها دفعتنا إلى التعرف على ملامح الغد فى ضوء تصرفات اليوم، ولعلى أوجز الأمر فى بعض الملاحظات التالية:

أولًا: إن ما جرى فى «مصر» فى العامين الأخيرين قد أدى إلى تغيير «دراما» الأحداث لا فى منطقة «الشرق الأوسط» وحدها، بل ربما فى العالم كله، ومن هنا تبدو أهمية الدور المصرى وتأثيراته المتزايدة فى عالم اليوم، ولذلك فإن ما جرى فى الثالث من يوليو عام 2013- استجابة للإرادة الشعبية المصرية قبلها بثلاثة أيام فى الثلاثين من يونيو- جعل التركيز على «مصر» عالميًا يتزايد بشكل ملحوظ، بحيث تكاثر عليها مَن لا يريدون لها خيرًا ولا يتمنون لها استقرارًا، وأستطيع أن أزعم- وبكل أسف- أن «الولايات المتحدة الأمريكية» مازالت تقبل الأوضاع فى «مصر»، باعتبارها أمرًا واقعًا، لأنها لم تكن متحمسة لما جرى، بل فوجئت بدعم الشعب المصرى لقيادته الجديدة على نحو غير مسبوق، من هنا فإن استهداف «مصر» يبدو متزايدًا، ولا يقف عند حد معين، وأظن أن شخص رئيس الدولة الذى قاد عملية استعادة «مصر» لهويتها هو مصدر غضب وقلق فى بعض الدوائر الغربية وفى العاصمة التركية ونظام الحكم فى «قطر»، بل غيرهما من العواصم التى شعرت أن «مصر» تملك إرادتها وتتخذ قرارها بإرادة شعبها، ولذا فإن تأمين القائد وسلامة جيشه هما مطلبان شعبيان يتعين الحرص عليهما.

ثانيًا: لم يتوقف الأمر على ما يجرى فى «مصر الداخل»، إذ إن منطقة «الشرق الأوسط» ملتهبة بشكل فاق كل التحليلات والتوقعات، فهى تواجه عدوًا من نوع جديد هو «الإرهاب» الذى يرفع راية «الإسلام» و«الإسلام» منه براء، إذ ليس «الإسلام» هو دين الذبح وفقًا للديانة، أو الحرق وفقًا للهوية، أو القتل فى بلادة ودون إحساس، لذلك فإن عدونا هذه المرة يأتى من داخلنا، بل هو كامن فينا، أليست هى فئة منا خرجت علينا وأساءت إلينا وشوهت صورة ديننا ورَوَّعت أمن شعوبنا ونشرت «الإرهاب» فى بقاع الدنيا كلها؟ إن الوضع المتدهور فى «الشرق الأوسط» يوحى بتغييرات جذرية وتحولات شاملة تؤدى إلى ضرب نموذج الدولة فى المنطقة وتحطيم الكيانات القائمة وتقسيم الدول العربية بشكل متعمد مثلما حدث فى «العراق» و«سوريا» و«ليبيا»، وربما «اليمن»، فالعرب أمام مأزق تاريخى يكاد يعصف بالخريطة السياسية المعروفة للمنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وذلك يعنى أن الاستهداف هذه المرة لا يقف عند حدود تغيير السياسات أو العبث بالتوجهات، ولكنه يتجاوز ذلك إلى ما هو أخطر، إنه يستهدف تقويض أعمدة النظام العربى برمته لصالح دول شرق أوسطية أخرى، كما لا تبدو «واشنطن» بالطبع بعيدة عما يجرى، فـ«الشرق الأوسط» الجديد يولد من رحم ما أطلقت عليه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة «كونداليزا رايس» «الفوضى الخلاقة»، فالتبشير بالأفكار المبكرة يجد تطبيقه بعد ذلك بسنوات قليلة، فنظرية «صراع الحضارات» تحولت تلقائيًا إلى حرب على «الإسلام» تحت مظلة الحرب على «الإرهاب»، فى محاولة خبيثة لخلط الأوراق وتشويه الصور وتحقيق أهداف سياسية من وراء تلك الشعارات النظرية، وقد تمخضت نظرية «الفوضى الخلاقة» هى الأخرى بعد ذلك بسنوات قليلة عن «ثورات الربيع العربى» وتوابعها، التى جرى فيها استغلال معاناة الجماهير العربية من نظم انتهى عمرها الافتراضى وشاعت فيها الصراعات بين الطبقات والطوائف والأجيال، لكى تستثمر ذلك كله فى ضرب البنية السياسية لتلك الدول بدلًا من السعى نحو الإصلاح الحقيقى الذى يحقق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسى.

ثالثًا: لن يرى المستقبل بعين واعية إلا الذين يعيشون فيه، وعندما قال الإمام «على»، كرم الله وجهه، ما معناه «ربوا أولادكم بطريقة مختلفة، فلقد خلقوا لغير زمانكم» فقد أصاب كبد الحقيقة، وأنا أظن أن فى «مصر» أزمة شباب كانت مكتومة، ثم ظهرت على السطح، فالأغلب الأعم من الشباب المصرى شعر فى السنوات الأخيرة بحالة من الإحباط وخيبة الأمل الزائدة، إذ إن آماله الواسعة لم تتحقق وخياله الخصب وقف عند حدود الواقع بما فيه من قلق وتوتر أحيانًا وارتباك وفوضى أحيانًا أخرى، مع الشعور بأن الطريق مازال طويلًا وحافلًا بالمصاعب والتحديات والأزمات، وأن الخلاص ليس بالسهولة التى صنعها الأمل عند قيام ثورة 25 يناير 2011، لذلك فإن أى تفكير فى المستقبل يجب أن يرتكز على رؤية الشباب، فهم الذين يصنعون المستقبل الذى يعيشون فيه، ولقد انتهى عصر «الوصاية» على الأجيال الجديدة وفرض «الأبوية» المطلقة بغير حدود، لقد جاء الوقت الذى يجب أن تتراجع فيه الأجيال القديمة وتتقدم الأجيال الجديدة الصفوف، مستلهمة الخبرة والمشورة من الآباء والأجداد، ولكن المناصب التنفيذية كلها يجب أن تكون من نصيب الشباب فى المواقع المختلفة.

رابعًا: إن دخول «مصر» عصر الحداثة فى التفكير والارتباط بروح العصر والصحوة العقلية وضرب الجهل والخرافة هى مقدمات طبيعية لظهور الدولة الحديثة التى تقوم على الاهتمام بالتعليم ودفع البحث العلمى وتشكيل رؤية عصرية لمستقبل الوطن تقوم على «فقه الأولويات» والقدرة على ترتيب بنود أجندة العمل الوطنى وفقًا لظروف الحاضر ومتطلبات المستقبل، إننا أمام مفترق الطرق، فإما أن تتقدم «مصر»، مرفوعة الراية نحو المستقبل، مستخدمة أدوات العصر وتقنياته، مستلهمة روحه وأدبياته، أو أن نظل كعهدنا فى العقود الأخيرة محلًا للتراجع ومصدرًا للتدهور فى المجالات المختلفة، بسبب سوء النظام التعليمى ونقص الخدمات الصحية وسيطرة العشوائيات على عقل المجتمع وأساليب تفكيره، فضلًا عن إرجاء المواجهة الحاسمة مع المشكلات وترحيلها من عهد إلى آخر.

إن النظرة إلى المستقبل لا يجب أن تكون أبدًا متشائمة، كما أننى أحذر أيضًا من الإفراط فى التفاؤل، لأننا نريدها نظرة عاقلة عادلة واعية، وأنا ممن يظنون أن «مصر» عصية على الانهيار، وأنها لن تنكسر أبدًا، وسوف تخترق مشكلاتها وأزماتها لتحلق فى آفاق جديدة نحو المستقبل الذى يستحقه شعبها العريق.

arabstoday

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:27 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان... و«اليوم التالي»

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الوجدان... ليست له قطع غيار

GMT 10:16 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

«فيروز».. عيونُنا إليكِ ترحلُ كلَّ يوم

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظرة إلى المستقبل نظرة إلى المستقبل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab