بورصة البشر

بورصة البشر

بورصة البشر

 العرب اليوم -

بورصة البشر

بقلم - مصطفي الفقي

كتبت أكثر من مرة فى استكشاف ما يمكن تسميته «بورصة البشر» وارتفاع أسهم بعض الأفراد أو حتى المؤسسات وهبوطها فى سوق الحياة العامة داخل الدول وفقًا لتغير الظروف، إذ إن بورصة البشر هى مؤشر هام يلعب فيه عنصر الزمن دورًا رئيسًا لا نستطيع إنكاره، فنحن نرى لشخصية معينة وزنًا بذاته خلال فترة محددة، ولكن هذا الوزن قد يتغير تغيرًا كبيرًا إذا ما برح المسؤول الكبير موقعه أو دارت الدوائر على وضع تمتع فيه بميزات لم تعد متاحة.

وكان أكثر ما لفت نظرى على امتداد سنوات خدمتى العامة، والتى تزيد على نصف قرن من ممارسات للعمل السياسى والدبلوماسى، الثقافى والإعلامى، الأكاديمى والتعليمى، البرلمانى والحزبى، وفى كل منها مواقع شغلتها فى حياتى خلال العقود الأخيرة، وتركت معظمها طوعًا أو كرهًا لكى أكتشف معادن البشر من حولى، فاكتشفت أننا ننتمى إلى منظومة نفسية معقدة يصفق الجميع لمن يملك السلطة ويتحامل الكل على من يتركها ويتحول حملة المباخر ومرددو الأشعار والأذكار فى مدح المسؤول إلى مُعادين له.

منتقدين لسياساته دون ترفع أو خجل، ويضربون بالدفوف للقادم الجديد ويتهللون لطلعته وهم أنفسهم الذين سوف ينتقدون ما فعل بعد أن يترك الموقع وتتحول إيجابياته التى طالما تغنوا بها إلى سلبيات يصبون عليه اللعنات بسببها، وتلك ظاهرة محزنة تشير إلى غياب الضمير وتدهور الأخلاقيات، كما أنها تؤكد أن بورصة البشر ترفع أسهم أصحابها بقدر ما يملكون من ثروة وما يحوزون من سلطة وما يمتلكون من أسباب القوة بمختلف أنواعها مالًا أو عصبية أو حتى تميزًا بدنيًا أو موهبة ذاتية، ولعلى أعترف الآن بأن هذا الهاجس الذى يؤدى إلى المقارنة بين الوضعين بارتفاع السهم وانخفاضه هو ما شعرت به عندما انتهت خدمتى فى مواقع مختلفة.

بدءًا من مؤسسة الرئاسة، مرورًا بوزارة الخارجية والبرلمان المصرى، ثم الجامعة البريطانية وغيرها، وصولًا إلى مكتبة الإسكندرية التى قضيت فيها سنوات خمس مديرًا لها، بدأتها بالوقوف داعمًا لسلفى تقديرًا له واعترافًا بفضله، ثم عكفت على توظيف تلك المؤسسة المصرية الدولية النادرة لخدمة الوطن وتعزيز المناخ الثقافى فى حوض البحر المتوسط، الذى يعتبر بحيرة الحضارات التى تطل على شماله وجنوبه وشرقه وغربه.

لقد اكتشفت بعد ذلك أن أقرب الناس حولى وأشدهم حماسًا لقراراتى وإشادة بإنجازاتى هم فى معظمهم الذين انقلبوا بين عشية وضحاها وتغيرت جلودهم بين يوم وليلة، ولا يقف الأمر عند حدودى كشخص يكتب عن تجربته الذاتية، ولكننى أقرأ ذات الأمر فى عيون كل الزملاء والرفاق من أبناء الأجيال المختلفة عندما تدور الدوائر وتتحرك مؤشرات البورصة، إذ إن تعاقب الأجيال وتداول السلطة ودوران النخبة لا يأخذ مجراه الطبيعى.

ولكنه يتحول إلى ميزات ممنوحة أو أخرى ممنوعة بحكم عجلة الزمن الذى يقول صوته دائمًا (إذا دامت لغيرك ما وصلت إليك)، إن بورصة البشر تشدنى إلى عامل الزمن الذى أود أن أكتب عنه كثيرًا، فلكل عصر رموزه، ولكل وقت قياداته، والذين يتصورون دوام الحال إنما يلعبون فى مجال المحال، بل إننى أحيانًا أشتم رائحة الزمن، فهذه رائحة الستينيات بما لها وما عليها.

وتلك رائحة السبعينيات بصخبها وضجيج الأحداث فيها، وقس على ذلك ما يعززه مسار الأحداث، حيث تعطى كل فترة زمنية إشارات تؤرخ لكل مرحلة وتوضح مسيرة كل فترة، فللعصر الملكى فى مصر مذاق خاص، ولأحقاب يوليو 52 نغمة مختلفة، كذلك فإن مصر- دولة ونظام حكم ومجتمعًا إنسانيًا- قد اختلفت كثيرًا بعد 25 يناير 2011 عن الفترات التى سبقتها، وبورصة البشر تتأرجح بشدة بعد أن رأى المصريون رئيس الدولة الراحل حسنى مبارك مستبدلًا بموقع الرئاسة وما يحيط به من هالات وأضواء مكانًا فى أحد السجون أو المستشفيات.

ونحن لا نحكم هنا على زعيم أو قائد إلا بظروف عصره والملابسات التى أحاطت بحكمه وعدسات البورصة التى رصدت ما جرى وحكمت عليه عدلًا أو افتراءً، إن العلاقة بين الفرد والمؤسسة تبدو جزءًا لا ينفصل عن مفهوم بورصة البشر التى تحدد موقع كل منهما تجاه الآخر وفقًا لدورة الزمن وتغير الظروف وتبدل الأحوال.. إنها بورصة البشر محكمة الزمان، وإرادة المكان ودورة الحياة!.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بورصة البشر بورصة البشر



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران

GMT 08:44 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشرى تكشف أولى مفاجآتها في العام الجديد

GMT 09:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شهداء وجرحى في قصف متواصل على قطاع غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab