اعترافات ومراجعات 24 «الخيط الرفيع بين الدارين»

اعترافات ومراجعات (24).. «الخيط الرفيع بين الدارين»

اعترافات ومراجعات (24).. «الخيط الرفيع بين الدارين»

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 24 «الخيط الرفيع بين الدارين»

بقلم - مصطفي الفقي

انشغلت الحضارة المصرية القديمة ببناء المقابر والمعابد، وتورطت بشدة فى الأفكار الغامضة حول الحياة والموت، حتى إن الأهرامات ذاتها هى مقابر تمهد لأصحابها الإقامة فى الحياة الثانية.

ولا شك أن المصريين القدماء قد سبقوا كل الديانات السماوية والأرضية فى توقعهم للحياة الأخرى أو الميلاد الجديد أو ما نطلق عليه (البعث).. وإذا كانت تلك هى فلسفة الحضارة المصرية القديمة، فإننا نؤكد أن لغز الموت هو الحقيقة الوحيدة فى الحياة الدنيا، ولقد انشغل صاحبنا بذلك منذ أن أصبح فتى يافعًا يتعاطى المعرفة ويلتهم الكتب؛ لأن الخيط الرفيع بين الحياة والموت هو أمر يؤرق ويطرح تساؤلات بغير حدود ودون إجابات شافية أيضًا.

لذلك اخترع المصرى القديم المعابد لتقديم القرابين للآلهة، تحسبًا ليومٍ لا نستطيع أن نحدده ولكننا نشعر به كلما تقدم العمر ومضت السنون، لذلك كان طبيعيًا أن يفطن المصرى القديم لحقيقة مؤداها أن لغز الموت مطروح أمام الأحياء فى كل لحظة.

وما زلت أتذكر أن الرئيس الفرنسى الراحل فرانسوا ميتران، وقد راقبته عن قرب فى أكثر من ستة لقاءات جرت بينه وبين الرئيس الراحل مبارك فى العاصمة الفرنسية خلال زيارات الرئيس المصرى لباريس، وقد كنت شديد الإعجاب بعقلية ذلك السياسى الفرنسى الذى نافس الجنرال ديجول على مقعد الرئاسة فى ستينيات القرن الماضى.

وبهرنى كثيرًا عمق النظرة لدى ذلك السياسى الاشتراكى المتمرس الذى كان يتحدث قليلًا ويضع فى كلمات محدودة أفكارًا كبيرة، وعندما أصيب بداء السرطان واقترب موعد رحيله وترك السلطة والعمل السياسى، سيطر عليه هاجس الموت وقرب الرحيل، حتى زاره بعض الأطباء النفسيين ورجال الدين ليشرحوا له فلسفة الموت كى يتهيأ للحياة الأخرى ويكتشف أن الموت هو الحقيقة الوحيدة الثابتة فى حياة كل الكائنات.

وقد انصرفت الحضارات الكبرى وانشغل المفكرون والفلاسفة بالحياة الثانية، حتى اكتشف المصرى القديم نظرية «التوحيد» على يد إخناتون، ومضت أساطير الأولين تتحدث عن مفهوم الرب وتوحد الآلهة، وقد سيطرت تلك الأفكار على عقل الفتى، وظل يناقش فى صمت وفى أعماق داخله قصة إيزيس وأوزوريس وحورس واختلاف الرواية الدينية عن الأطروحات التاريخية، حتى سيطرت تلك الأفكار العدمية على جزء من تفكيره.

وظلت لا تراوح مكانها لسنوات فى ذهن الصبى الصغير، ثم اكتشف بعد ذلك ومن خلال احتكاكه بمجتمعات مختلفة ودول متعددة أن استقبال الموت يختلف بينها، فهناك من يستقبلونه بمسحة حزن معتادة ولكنهم ينصرفون إلى حياتهم بعد ساعات قليلة من واقعة الرحيل.. وهناك شعوب تمعن فى الحزن، ولعل المصريين يمثلون نمطًا من ذلك، حتى اخترع الفراعنة موعد (الأربعين)، مؤكدين أن ذلك هو التوقيت الذى تتحلل فيه رفاة الراحل وتبقى عظامه ما لم يكن هناك تدخل بتحنيط الأجساد.

وهو الأمر الذى برع فيه المصرى القديم حين كان ينتظر الحياة الثانية ويسعى لحفظ الجسد حتى عودة الروح مرة أخرى، ولقد تأكد لصاحبنا بعد مضى السنين أن الموت حق على العباد، وراعه كثيرًا أن النسيان يلحق بكل ذكرى مهما طال الوقت، وأن دوران الكون هو سُنة الحياة، وأن الخلود لله وحده، كما أن الأديان هى طرائق للتعبد فى ظل الإله الواحد مهما اختلفت المسميات وتباينت التعريفات.

ولكن يظل الإنسان دائمًا متعلقًا بالإيمان كسبيل وحيد أمامه للتعامل مع ضائقة الموت وغموض الروح والخوف الغريزى الذى يجتاح البشر أمام احتمال الرحيل فى أى لحظة، على اعتبار أن ذلك هو توجُّه يمضى فوق الجميع ولا يُفرّق بين أحد من مخلوقات الله.

لقد أردت الكتابة فى هذا الموضوع معترفًا بالضعف البشرى أمام لحظة النهاية، مدركًا أن الله الذى خلق الإنسان لإعمار الكون هو سبحانه وتعالى الذى اختص ذاته بما لا تدركه مخلوقاته (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)!.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 24 «الخيط الرفيع بين الدارين» اعترافات ومراجعات 24 «الخيط الرفيع بين الدارين»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران

GMT 08:44 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

بشرى تكشف أولى مفاجآتها في العام الجديد

GMT 09:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

شهداء وجرحى في قصف متواصل على قطاع غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab