محنة الثقة

محنة الثقة

محنة الثقة

 العرب اليوم -

محنة الثقة

بقلم - مصطفي الفقي

لقد شعرت دائمًا منذ طفولتى بقدر كبير من فقدان الثقة فى الآخرين، مع شعور غامض بأن الكل يتربص بغيره، وذلك شعور معيب انتابنى منذ سنوات الطفولة، رغم أننى كنت طفلًا محبوبًا ومدللًا، ولكننى كنت أدرك أيضًا أن تميزى النسبى فى الدراسة كان ينذر ببُغض من زملائى ويجعلنى أشك فى نواياهم تجاهى وأتأبط شرًا من بعض تصرفاتهم، وقد نشأت فى مدينة دمنهور، وهى مدينة يتميز أهلها بالذكاء الاجتماعى والشطارة التجارية، فكنت دائمًا أتحسب لما هو قادم وأتوقع السيناريو الأسوأ لتعامل الآخرين معى.

وعندما سألنا مدرس اللغة الإنجليزية فى السنة الثانية الإعدادية عن تركيب جملة صغيرة تعطى معنًى كبيرًا، كتبت بالإنجليزية البسيطة: إن نجاحى بتفوق قد أغضب البعض من زملائى، واندهش المدرس من هذا التعبير العبثى الذى ينطوى على شعور عدمى ويفتقد المحبة المعتادة بين الصغار، ولذلك عرفت الغيرة الشخصية مبكرًا وعانيت من ويلاتها كثيرًا، ولقد كان بعض زملائى المتنافسين يمرون أمام بيوت بعضهم البعض عند منتصف الليل ليكتشفوا من هو الذى مازال يستذكر دروسه، لأن حجرته لا تزال مضاءة فى تلك الساعة المتأخرة من الليل! .

وقد تفاقمت محنة الثقة المفقودة فى صدر شبابى وتمثلت فى الشك فى نوايا المرأة تحديدًا تجاه الرجل، وقد عانت خطيبتى من غيرتى الشديدة عليها كفتاة صغيرة، لم تكن تفهم دوافع ذلك الشعور وأنه يأتى من شدة الحرص على وجودها معى حينذاك، وقد أسرفت كثيرًا على نفسى فى هذا السياق، فعشت متشككًا إلى حد كبير فى تصرفات النساء ومواقفهن المتعددة فى ظروفهن المختلفة، ثم تضخمت المشكلة لتصبح ثقة مفقودة عمومًا فى كل من أطلب منه شيئًا، متوقعًا سوء النية من الطرف الآخر دون أسباب أو مقدمات، ومع تقدم السن تراجعت تلك الوساوس عندما شعرت بأن الطريق المفتوح أمامى يسمح بتنحية تلك المشاعر السلبية ويزرع فى قلبى عوامل الثقة الضائعة حتى أتمكن من مواصلة الطريق على النحو الذى رسمته فى خيالى ومضيت معه خطوات ثابتة، سواءً فى مرحلة الدراسة العلمية أو الوظيفة العملية، إلا أننى كنت دائمًا أتوقع ضربات موجعة تأتينى من أى اتجاه، ولعل تفسير ذلك يأتى أيضًا من ذكاء الطفولة واتساع دائرة المعرفة أمامى.

ولقد توهمت دائمًا أن كل خير يعقبه شر وأن الأخبار السارة هى مقدمة طبيعية لأخبار سلبية فى معادلة التوازن فى الحياة، ومازلت أكرر ما قاله أبى: إن ازدهرت لك الدنيا فتخوف منها! وبالفعل مازلت أتصور أنه إذا مر يوم أو أسبوع شديد السعادة، فلا بد أن يعقبه يوم أو أسبوع شديد التعاسة، حتى سنوات عمرى أستطيع أن أقول إن عامًا معينًا حمل لى أخبارًا طيبة وإن عامًا آخر فى المقابل جاءنى بما يدعو إلى التعاسة، ومازالت محنة الثقة تعاودنى فى كل منعطف جديد من حياتى وتجعلنى أترقب بحذر ما تأتى به الأيام، وقد يقول قائل إن هذه النزعة التشاؤمية لا مبرر لها، فلقد قيل تفاءلوا بالخير تجدوه، وأنا أدعو إلى ذلك التفاؤل، لأنه ينزع فتيل الاكتئاب والقلق، وهما عدوان لدودان لإنسان العصر، فتأثيرهما كفيل بتحطيم المعنويات وفتح ملف الأحزان الصامتة التى لا يشعر بها إلا من يحملها وحده، وأتذكر بهذه المناسبة ما كان يقوله الصديق الراحل الأستاذ أنيس منصور عن «الشخصية العدمية»!.

إن أزمة الشك ومحنة الثقة تتسابقان للوصول إلى عقل الإنسان وروحه، بل ووجدانه بكل ما يحمل من مشاعر وعواطف وتكون الحياة فى النهاية هى انعكاس لذلك ونتيجة له، لذلك فإن على المرء أن يشغل حياته بقراءات لا تنتهى وأحاديث لا تتوقف، مع البحث الدائم عن الأصدقاء الأوفياء الذين يجعلون الحياة أفضل ويزيلون غشاوة الشك ويؤصلون جذور الثقة التى يزرعها الإيمان العميق من خلال تجربة إنسانية مباشرة، يشعر معها المرء أن اختياره للصديق يسبق اختياره للطريق، ويدرك معه أيضًا أن اليقظة مطلوبة وأن الحذر واجب، وما أروع بيت الشعر الذى يقول:

احذر عدوك مرة واحذر صديقك ألف مرة

فإذا انقلب الصديق عدوًا كان أعلم بالمضرة!.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة الثقة محنة الثقة



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 04:28 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان
 العرب اليوم - تناول الزبادي الطبيعي يومياً قد يقلل من خطر الإصابة بسرطان

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 13:18 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

قطر ترحب بوقف النار في لبنان وتأمل باتفاق "مماثل" بشأن غزة

GMT 01:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يستهدف مناطق إسرائيلية قبل بدء سريان وقف إطلاق النار

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab