رحيل دبلوماسى مثقف

رحيل دبلوماسى مثقف

رحيل دبلوماسى مثقف

 العرب اليوم -

رحيل دبلوماسى مثقف

بقلم ـ مصطفي الفقي

فقدت الأسرة الدبلوماسية والدولة المصرية واحداً من أبر أبنائها وأكثرهم ثقافة حتى اتصف فى كتاباته بالإنتاج الغزير والقدرة على التطرق إلى موضوعات شتى بكفاءة عالية، وكان رغم التزامه الوظيفى كدبلوماسى مهمته أن ينفذ سياسات محددة، إلا أنه كان يجنح دائماً نحو ميوله تجاه الفكر الاشتراكى، والتى شدته منذ مطلع شبابه وجعلته دائماً قريباً من دوائر العمل السياسى اليسارى، ولكن براعته الحقيقية كانت تتجلى فى قدرته على أن يمشى على الخيط الرفيع بين الالتزام الكامل بواجبات وظيفته الدبلوماسية وبين هواه الفكرى الذى لم يبرحه حتى رحيله عن الحياة، فقد كان إلى حد كبير يسارياً «براجماتياً» يتعامل مع الاتجاهات المختلفة ويتعايش مع أصحاب الميول المتعددة، إنه السفير الراحل «محمود عبدالمنعم مرتضى»، الذى كان آخر سفير لـ«مصر» فى «ألمانيا الشرقية»، ثم سفيراً فى «البرازيل»، ثم سفيراً فى «اليمن» بعد خدمة سابقة امتدت من «اليونان» إلى «الجزائر» إلى «الصين»، وقد جمعتنى به صحبة عمر وزمالة عمل ورفقة حياة، وقد اختارنا- هو وأنا- أستاذنا د.«بطرس بطرس غالى» عندما تم تعيينه وزيراً للدولة للشؤون الخارجية لنبدأ معه مشروع تسجيل وثائق الخارجية المصرية المبعثرة لتجميعها فيما أطلق عليه فيما بعد مجموعة «الكتب البيضاء» التى بدأناها عام 1978 واستكملها زملاء لنا لعدة سنوات بعد ذلك، وقد تمحورت سلسلة «الكتب البيضاء» حول وثائق «كامب ديفيد» و«اتفاقية السلام» والعلاقات المصرية- الأفريقية وتطور وثائق «قناة السويس» مروراً بالعلاقات مع «أمريكا اللاتينية» وصولاً إلى الوثائق المصرية- السودانية بما فى ذلك اتفاقيات «نهر النيل»، ولقد كان إسهام د.«بطرس غالى» بفكره فى هذا العمل الضخم شهادة حق فى جانبه كرائد لتحديث الفكر الدبلوماسى المصرى فى العقود الأخيرة، وقد أثرى «محمود مرتضى» من جانبه الدوريات والصحف المصرية والعربية فى كتابات متعمقة ودراسات مستفيضة وظل دائماً موضع احترام زملائه مع تقدير خاص من دوائر المثقفين المصريين والعرب فى كافة مراحل حياته، ولقد كان لنا شريك ثالث هو الرائد والمعلم لجيل من الدبلوماسيين، وأعنى به السفير «شكرى فؤاد ميخائيل»- أطال الله فى عمره- فقد امتلك ذلك الرجل رجاحة العقل وحصافة الفكر وعمق الرؤية والقدرة على توجيه النصيحة المناسبة فى الوقت المناسب، ولقد ذكره السيد «عمرو موسى» فى كتاب مذكراته باعتباره مهندس الهيكلة الجديدة لوزارة الخارجية عندما تولاها السيد «عمرو موسى»، وهو صاحب مدرسة دبلوماسية يصعب إنكار وجودها، وما أكثر ما جمعتنا- «شكرى فؤاد» و«محمود مرتضى» وأنا- أمسيات من الحوار الفكرى، فكانت لنا صولات وجولات نتبادل الرأى ونعلق على الأحداث الجارية فى إطار ولاء مطلق للوطن المصرى الذى ندين له جميعاً بالفضل فى كافة الظروف وأمام كل التحديات، ولقد عمل د.«محمود مرتضى» فترة من حياته مديراً لمكتب د.«بطرس غالى» عندما كان وزيراً للدولة للشؤون الخارجية، وقد جاء سفيرنا الراحل خلفاً لدبلوماسى لامع آخر هو السفير «سعد الفرارجى»- أطال الله فى عمره- وهو حالياً رئيس تحرير «مجلة الدبلوماسى» التى تصدر عن وزارة الخارجية، والتى نقلها نقلة نوعية واضحة منذ أن تولاها فى الشهور الأخيرة، إننى إذ أنعى «محمود مرتضى» إلى كل زملائه وتلاميذه فإنما أنعى جزءاً من تاريخى الشخصى وأتصور أن صفحة قد طويت من ملف خدمتى فى الحياة، وعندما كنا نشارك فى عزاء رحيله عرضت علىّ قرينته الفاضلة استضافة مكتبته الشخصية بكتبها القيمة ودراساتها العميقة لكى تستقر فى «مكتبة الإسكندرية»، وقد وافقتها على الفور مرحباً لأننى سوف أحصل على قطعة من التاريخ الدبلوماسى المصرى من خلال ما كتبه ذلك الصديق الذى رحل، ولقد كانت قرينته خير عون له فى رحلة عمره وسهرت دائماً على راحته وتوفير مناخ هادئ له، ولذلك كانت لوعتها شديدة لرحيله، فقد كان هو الزوج والأب والولد، أما نحن الذين فقدناه من رفاق الدرب وأصدقاء العمر فإننا سوف نظل نتذكره كلما هبت رياح هادئة على العقول اليقظة فى مستقبل وطن يمضى على طريق الخلود.

المصدر : جريدة المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحيل دبلوماسى مثقف رحيل دبلوماسى مثقف



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 07:11 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم
 العرب اليوم - الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

GMT 20:51 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد
 العرب اليوم - بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab