اعترافات ومراجعات 16 أزمة الشك

اعترافات ومراجعات (16) (أزمة الشك)

اعترافات ومراجعات (16) (أزمة الشك)

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 16 أزمة الشك

بقلم - مصطفي الفقي

يجب أن أعترف فى هذه السن المتقدمة أن الشك فى الأقوال والأفعال قد اعترانى منذ الطفولة، خصوصًا أننا ننتمى إلى شعب لا تعبر الكلمات الضخمة لديه عن الوقائع المحددة فيه، إذ إن المبالغة فى الحديث ودراما الكلمات فى لغة ثرية مثل اللغة العربية تزرع الشك فى داخل نفسية كل من يتوقع الكمال فى الآخرين؛ لذلك بدأت منذ طفولتى عملية حوار مع الذات من خلال تأمل صامت لما يقال حتى أدركت أننى لا أقبل كل ما أسمع، واعترتنى أزمة شك طاحنة فى كثير من أحداث التاريخ بل ومعطيات الحاضر، واقتنعت بينى وبين نفسى أن كل رواية تاريخية لا يسندها أثر قائم هى محل شك، كما أن كل ما يصل إلى مسمعى عن واقعة حاضرة لا يستقر أيضًا فى أعماقى ما لم تكن هناك شواهد مؤكدة فى ذلك الذى أراه، وامتدت محنة الشك لتجعل منى شخصًا يوصف بأنه «نِمكى»؛ أى يراجع الأمر أكثر من مرة وينشد الكمال حوله ويعشق إجادة الأعمال مهما كانت الظروف، ولقد عبر عن ذلك الروائى الراحل خيرى شلبى عندما كتب عنى دراسة فى مطلع هذا القرن جعل عنوانها (المفهرس) وخلص منها إلى عدة نتائج وأنا أنحنى احترامًا لعقله المضىء.

وكأنما كان يعيش معى ويسبر أغوار دواخلى.. من هنا شعرت بتقدير كبير لذلك الروائى الراحل الذى تلى قيمته مباشرة أعظم كاتب معاصر وأعنى به صاحب نوبل نجيب محفوظ. ولقد استبدت محنة الشك فى حياتى لتشمل رفضًا لكافة المسلمات الموروثة والأفكار المستقرة بل والأوهام المتداولة، وذلك أمر جعلنى دائمًا فى حيرة شديدة تصارع الشك باليقين وتفتح نوافذ فى العقل كانت مغلقة بسبب الرؤى المكررة والأفكار الخاطئة، وأنا مؤمن بشدة أنه ليس كالنقص دليل على الكمال وليس كالشك طريق إلى اليقين، والفيلسوف الكبير الذى قال: (أنا أفكر إذًا أنا موجود) لم يكن يبيع الوهم ولكنه كان يقر الحقيقة، ولنا هنا عدة ملاحظات:

أولًا: إن هذه النوعية من العقول تحتاج إلى حوار مستمر وتفكير متواصل لا ينتهى أبدًا بغير إدراك مقنع للحقيقة، وكانت أسئلتى فى مرحلة الطفولة أمرًا يرهق أبى للإجابة عليها واستكشاف مضمونها، فالذى يشك يكون دائمًا كثير التساؤل تتملكه الحيرة من وقت لآخر.

ثانيًا: إن الأفكار الكبرى بل والاختراعات الضخمة قد ارتبطت كلها بمحنة الشك الذى يحرض على التفكير ويدفع إلى التساؤل ويسير بالأمور إلى ما يبغى الإنسان حتى ولو رفضته الجماعة فى البداية وجرى اتهامه على نحو واضح، فالشك كما أسلفنا هو بحق طريق اليقين والسبيل إلى الإيمان، ولعلى أعترف هنا بأننى لم أكن سعيدًا فى ظل معظم النظم السياسية التى عاصرتها أو راقبت مسيرتها أو شاركت فى أعمالها لأننى اكتشفت فى النهاية أنها جاءت كنتيجة طبيعية لتجريف الكفاءات والتفريط فى القدرات، فضلًا عن العبث الفكرى والديماجوجية السياسية تحت غطاء الشعبوية المطلوبة.

ثالثًا: لقد بهرتنى فى سنوات الطفولة الأولى ملابس الباشوات من رجال السياسة وهم يتشحون بالأردية الموشاة بالقصب وعلى رؤوسهم الطرابيش بأوضاعها المختلفة، فطربوش على ماهر باشا كان يتقدم إلى الأمام على جبهته، وطربوش عبد الرحمن عزام باشا يتراجع إلى الخلف ليفسح المجال لمساحة من مقدمة رأسه، وقد انتابتنى فى تلك السن الصغيرة موجة إعجاب بتلك الرموز ولكننى رفضت فى الوقت ذاته التسليم بأن ذلك هو النموذج الأفضل لحياتى وحياة غيرى، واستبد بى الشك الدائم فى كفاءة الحياة السياسية لسنوات طويلة، وما زلت أحتكم إلى العقل بينى وبين نفسى فى عدالة متأصلة قد لا تبدو على السطح عند تقييم الأشياء وتمييز المواقف.

رابعًا: لقد أشرت من قبل إلى محنة الشك التى أصابت إيمانى فى سن التحول من غلام إلى شاب، وكيف أننى توهمت وقتها أن هناك صدامًا حتميًا بين العلم والإيمان وبين العقل والخرافة، إلى أن تغلبت العقيدة المتأصلة وعاد الفتى الصغير إلى رشده مؤمنًا عن دراسة مقتنعًا عن رغبة، حتى أضحت الأمور واضحة وأصبح الإيمان متأصلًا.

إن محنة التخبط الفكرى وأزمة الشك فى كل المسلمات الموروثة قد جعلت حياتى فى صراع دائم وصدام مستمر بين المواقف المضادة والآراء المتباينة، ولكننى عدت إلى حظيرة اليقين رافعًا يدى فى استسلام لقسوة الحياة وظلم الأحياء!.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 16 أزمة الشك اعترافات ومراجعات 16 أزمة الشك



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab