الديمقراطية والرأي العام المصري

الديمقراطية والرأي العام المصري

الديمقراطية والرأي العام المصري

 العرب اليوم -

الديمقراطية والرأي العام المصري

بقلم - مصطفي الفقي

فريد هو دور الرأى العام المصرى فى حياتنا، فهو أقوى من الممارسة الديمقراطية بصورة لا نكاد نجد لها نظيرًا فى تاريخ الدول الأخري، فقد تعرضت الديمقراطية عمومًا عبر العقود السبعة الماضية لحالة من التنظيم نتيجة ظروف ثورة يوليو وما بعدها، ورغم ذلك ظل الرأى العام قويًا كعادته مؤثرًا بطبيعته، وأنا أزعم هنا أن الرأى العام فى مصر هو (ترمومتر اختبار) لرصد الرأى العام فى المنطقة العربية، وربما الإفريقية والإسلامية، من خلال القضايا ذات الطابع الإقليمى أو الدولي، والسبب فى ذلك ببساطة هو أن المصريين شعب لا تخلو حياته من الصخب السياسى والثرثرة الاجتماعية التى تتولد عنها شلالات من النميمة التى ساعدت عليها وزكت وجودها السوشيال ميديا حاليًا، لذلك فإن قياس الرأى العام المصرى يمكن أن يعفى أحيانًا الحاكم من الالتزام بالإجراءات الديمقراطية المعتادة والخروج عن المألوف والقفز عليه للوصول إلى منظومة الرأى العام كما تحددها قنوات الاتصال التى ترفع تقاريرها للحاكم، وأنا شخصيًا أتذكر عندما كنت طالبًا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن اللواء حسن أبو باشا وزير الداخلية الأسبق كان مفتش مباحث الجيزة فى مطلع ستينيات القرن الماضى وكان يصطفى من بين طلاب الكلية بعض العناصر المتميزة ويستمع إلى انتقاداتهم للنظام الناصرى والاحتجاج على حرب اليمن ويرفع بذلك كله تقارير إلى مؤسسة الرئاسة الناصرية، وكان الرئيس الراحل يأخذ ببعضها ويعتبرها بديلًا للممارسات الديمقراطية فى وقته، ونختلف مع هذا الإخراج بالطبع لأن الديمقراطية عملية متكاملة يصبح الرأى العام واحدًا من عناصرها ولا ينهض وحده بديلًا عنها، ولأن الشعب المصرى يلتهم الشائعات ويمتص النميمة ويهوى الثرثرة فقد كان من الطبيعى أن تتحول هذه الأجزاء إلى رموز للعمل الإعلامي، وتؤدى إلى تشكيل سياسة الدولة الداخلية والخارجية فى كثير من القضايا، وأود أن ألتزم هنا صادقًا بما يمكن تسميته الإطار التاريخى للرأى العام المصرى وهو إطار يشكل جزءًا مهما من الهوية المصرية وقدرة المصريين على تجاوز فترات انكماش الإعلام الوطنى فى ظل ضرورات قومية أو احتياجات سياسية، فإذا المواطن المصرى يصنع بخياله روايات أقرب إلى الأساطير تمكنه من متابعة الأحداث وفقًا لقراءته الخاصة لها وفهمه لأبعادها، فإذا أردنا أن نقيس الرأى العام العربى فلنقف فى وسط ميدان التحرير بالقاهرة ونستطلع رأى عينة عشوائية من المصريين حول حدث معين يهم المنطقة العربية، وسوف نكتشف أن التعبير العام عن الموقف الشامل هو تعبير حقيقى يكاد يكون مقياسًا دقيقًا لظاهرة الرأى العام فى فترة معينة، ولعلنا نطرح الملاحظات الثلاث التالية:

أولًا: إن الجدل ثار طويلًا فى السنوات الأخيرة حول مفهوم الديمقراطية ودرجة صلاحيتها على المستوى العالمى فى ظل التطورات الحديثة، خصوصًا على الصعيد التكنولوجى وتأثير ذلك على المستقبل الوطنى لدى الشعوب المختلفة، بل ونعى البعض الديمقراطية برمتها واعتبرها تعبيرًا جامدًا لا يعكس بالضرورة سلامة الرأى الذى تطرحه ولا الموقف الذى تصل إليه، لأنها تقوم على أسس مختلفة ليست هى التعبير الصحيح عن البيئة السياسية والمستوى الثقافى والأبعاد الاجتماعية القائمة.

ثانيًا: إن الرأى العام ظاهرة تاريخية قديمة تسبق التطبيقات الديمقراطية بمئات السنين كما أنها تعتبر نوعًا من الديمقراطية المباشرة التى تأتى بشكل تلقائى وعفوي، وتمثل الخبر والرأى فى آن واحد، وتبلور الصورة الكاملة لما بلغه المجتمع فى مرحلة معينة، ولقد كان من نتائج ذلك أن تطورت هذه الظاهرة لتصبح علمًا مستقلًا يمثل تقييمًا للديمقراطية وليس نتيجة لها، فقد تغيب هى ويبقى هو مقترنًا بالعقل البشرى والخيال الإنسانى.

ثالثًا: إن الذين يتحدثون عن الرأى العام إنما يفعلون ذلك وفى خلفيتهم جميعًا ذلك الحشد الضخم من الأخبار التى تتدفق على الأذن المصرية والعربية طوال اليوم، فلقد أدرك الجميع أنه لا أمل فى المستقبل إلا من خلال ما يتم تداركه ويكون متوافقًا مع المزاج العام القادر على تطويع الحقائق بل وتأويل المعلومات واختراع القصص والعيش فى الأوهام والأساطير، فالرأى العام بهذا المنطق هو مجموعة من الأفكار والآراء التى لا يمكن تجاهلها ـ إيجابية أو سلبية ـ مهما تكن الظروف.

خلاصة ما أريد أن أذهب إليه هو أن ألح بشكل مباشر على أهمية الرأى العام واعتباره بديلًا للأزمات الديمقراطية فى المجتمعات المختلفة، ولحسن الحظ فإن أحداث 25 يناير عام 2011، والثورة الشعبية فى 30 يونيو عام 2013 قد تمكن كلاهما من وضع أسس عميقة وقوية لظاهرة الرأى العام المصرى ودفعت بها إلى درجات عليا من الاهتمام، فأصبح المواطن المصرى الذى كان معروفًا بسلبيته السياسية مواطنًا مشغولًا بالأحداث متابعًا للأخبار بل ومشاركًا فى تحليلها بشكل لم يكن موجودًا من قبل.. إن الرأى العام ظاهرة إعلامية شعبية تقوم على أدوات مرصودة ومعروفة وليست جديدة على الساحة الفكرية والسياسية، لذلك فإننا نعتبر الرأى العام المصرى واحدًا من أهم مصادر تكوين مخرجات الديمقراطية حتى ولو تحقق ذلك بدونها أو مع اختلاف أساليبها أو تنوع مظاهرها، ولكن يبقى الرأى العام فى النهاية سيد الموقف ومصدر الاهتمام وجوهر الحقيقة.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الديمقراطية والرأي العام المصري الديمقراطية والرأي العام المصري



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab