حامد ربيع أستاذ علم الحضارات

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

 العرب اليوم -

حامد ربيع أستاذ علم الحضارات

بقلم : مصطفى الفقي

تترك شخصيات معينة فى وجدان كلٍّ منّا شعورًا بالإعجاب والانبهار يجعلنا نستدعى كلماتها ونستمد من دروسها ما يعين على تحليل الأمور، بل رصد الحقائق وفهم الأشياء، ومازالت كلمة أستاذى حامد ربيع ترن فى أذنى رغم مضى ما يقرب من نصف قرنٍ عليها، فهو أستاذ جامعى متفرد وعالم لم أر له نظيرًا فى تأصيل الظواهر، بل تذوق الحضارات الإنسانية الكبرى، فما من موضوع جرى طرحه أمامه أو قضية تناولها بالبحث إلا وردها إلى أصولها فى تاريخ الثقافات الإنسانية الواسع والتقاليد الفكرية الموروثة حول الموضوع محل الدراسة، لذلك كانت المقدمة التاريخية فى جانبها الفكرى وتطورها العقائدى هى دائمًا الفصل الأول فى كل دراسة يتناولها حامد ربيع وهو يشرح لطلابه تغيرات الفكر السياسى على امتداد التاريخ البشرى والتداخل الواضح بين الدراسات الحضارية والتقاليد السياسية التى أدت إلى صعود بعضها وأفول نجم بعضها الآخر.

فهو بحق أستاذ علم الحضارات بمعناه الواسع الذى يشد الباحث إلى آفاقٍ أرحب ودراسات أعمق حول كل قضية يتناولها، إنه حامد ربيع الذى مس بدراساته نقاط الالتقاء بين الحضارات الإنسانية المختلفة وما جرى من تواصل بينها عبر التاريخ الطويل على كوكب الأرض، وكنت أدهش دومًا لقدرته على الانتقال السلس للمقارنة بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الأوروبية المسيحية، وكأنه ينتقل من شارع إلى الآخر بقدر كبير من العمق والرشاقة اللغوية والعبارات العلمية الجديدة والمفاهيم التى كنّا نسمعها منه لأول مرة، فهو أستاذ فى العلوم السياسية وفهم النصوص القانونية، فضلًا عما يقوم به من تأصيل قانونى يطوف بنا بين الحضارات ويقارن بين الديانات وينسب كل شأن إلى تاريخه البعيد، ولا عجب، فقد حصل على ست درجات للدكتوراه، فضلًا عن شهادة عالية فريدة فى الإنسانيات عمومًا، ولقد درست على يد الدكتور حامد ربيع لعامين متتاليين تشكلت منهما ملامح المناهج البحثية التى شيدها الدكتور ربيع، رحمه الله، فقد كان عالمًا موسوعيًا بقدر ما كان عميقًا فى أبحاثه يأتى إلينا كل يوم بجديد، ورغم ذلك فقد كانت نتائج امتحاناته لطلابه متدنية، فهو صاحب عبارة (الحصول على درجة صفر ملوث) أى أقل من الحد الأدنى، ومازلت أتذكر أن تقديراتى فى العامين اللذين درست فيهما معه كان هو (ممتاز) ربما لأن الرجل لاحظ من أوراق إجاباتى أننى تشربت مدرسته الفكرية وعنيت بالتأصيل المطلوب للظواهر العابرة، ولقد مرت سنوات غاب فيها اسم د.حامد ربيع عن الساحة الجامعية فى مصر، حيث أمضى سنواتٍ فى العراق خلال الحرب مع إيران، وأظن أنه كان فى ذلك الوقت المنظر الفكرى المرموق فى عاصمة الرشيد، ومرت سنوات أخرى عاد بعدها الرجل إلى مصر وقيل إنه استقبل مبعوثًا عراقيًا جاء لزيارته ذات يوم وتناول الغداء معه فى أحد المطاعم، بدأ بعدها العالم الكبير يتلوى ألمًا ويفارق الحياة بعد ساعات قليلة، وعندما كنت أول رئيس للجامعة البريطانية فى مصر جاءتنى سيدة عراقية فاضلة نلقبها أم عبدالله وهى زوجة العالم المرموق فى الحقبة العراقية من حياته الثرية.

وجاءت تقدم أوراق ابنها عبدالله حامد ربيع للدراسة فى الجامعة البريطانية بمصر، وأمضى الفتى معنا فترة قصيرة آثر بعدها تغيير فرع دراسته وكانت أمه السيدة الفاضلة تتمنى أن ترى فيه امتدادًا لأبيه العظيم، وقد انقطعت أخبارهم عنا منذ ذلك الحين، ولكن ظل طيف حامد ربيع يمر بخاطرى فى مقدمة شريط الذكريات فى دراستى الجامعية الأولى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية قبل أن أتوجه إلى لندن دبلوماسيًا وطالبًا للدكتوراه التى كنت أقتدى فى سطورها بأفكار د.ربيع وعلمه الغزير وثقافته الموسوعية التى تجعله على قمة من عرفت من أساتذتى على المستوى الأكاديمى فى ستينيات القرن الماضى، ويشاركنى ذات الشعور المئات من تلاميذه وعارفى فضل ذلك الأستاذ الجامعى الراحل الذى درس فى الجامعات الأوروبية ومكتبات الأديرة القديمة، وعاش ومات رفيقًا للأصالة العلمية وصديقًا لتطور الفكر السياسى بين حضارات الأمم والشعوب، وكان واعيًا بمخاطر الحركة الصهيونية فى المستقبل وعدائها الدفين للعروبة والإسلام وللشعب الفلسطينى صاحب أكبر مظلومية فى التاريخ المعاصر.

arabstoday

GMT 04:32 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رسائل الرياض

GMT 04:28 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

د. جلال السعيد أيقونة مصرية

GMT 04:22 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران وترمب... حوار أم تصعيد؟

GMT 04:19 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تغتنم إيران الفرصة؟!

GMT 04:17 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

داخل عقل ترمب الجديد

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حامد ربيع أستاذ علم الحضارات حامد ربيع أستاذ علم الحضارات



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab