حوارات مع بطرس غالى 2 2

حوارات مع بطرس غالى (2- 2)

حوارات مع بطرس غالى (2- 2)

 العرب اليوم -

حوارات مع بطرس غالى 2 2

بقلم - مصطفى الفقي

كنت طالبًا فى السنة الثالثة فى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد، وكان الدكتور بطرس غالى هو الذى يقوم بالإشراف على ما يسمى قاعة البحث وهى الفترة الحرة فى الأسبوع التى يتحدث فيها الأستاذ مع طلابه ويوزع عليهم رؤوس الموضوعات ويطلب منهم إجراء الدراسات حولها، وقد اخترت يومها موضوعًا يتصل بمفهوم التنظيم الدولى الإسلامى، واقترحت على أستاذى أن أستمد من كتاب عبدالرحمن الكواكبى «أم القرى» نقطة انطلاق للبحث فى إمكانية تحقيق تنظيم دولى إسلامى وفقًا لقواعد المجتمع الدولى المعاصر، وفى إطارٍ من الاعتراف المتبادل بين المجموعات البشرية على مختلف دياناتها، وأشهد أن الدكتور بطرس غالى قد أبدى حفاوة بالموضوع وشجعنى على المضى فى كتابته ولم أر فى حياتى شخصًا لا يوجد لديه ذرة تعصب دينى مثل ذلك الرجل الذى نذر نفسه لخدمة العلم والمعرفة والقانون والسياسة فى إطار العلاقات الدولية القائمة، وأتذكر جيدًا يوم أن جاء دورى لعرض بحثى فى القاعة وملاحظات الدكتور بطرس غالى القيمة وأفكاره النيّرة، وعندما علق بعض زملائى على أن لغة البحث كلاسيكية تتجاوز حدود ما هو متبع فى لغة الصحافة رد عليهم دكتور بطرس غالى بأن الشكل جزء من المضمون وانعكاس له، لذلك فإنه لا يرى مجالا لمثل هذا النقد، خصوصًا أن الأفكار واضحة والمقترحات جادة والموضوع مطروق دائمًا، كما أن عبدالناصر كان قد كتب فى فلسفة الثورة فقرة عن موسم الحج باعتباره مؤتمرًا إسلاميًا سنويًا.

وانتقلنا من نقطة إلى أخرى فى ثراء فكرى كبير برعاية من أستاذ قاعة البحث فى مادة التنظيم الدولى الذى أضحى بعد ذلك نجمًا عالميًا كبيرًا ووصل إلى أعلى الدرجات فى الوظائف الأممية الكبرى عندما أصبح أمينًا عامًا للأمم المتحدة، ومازلت أتذكر حصافة هذا الرجل وقدرته على الاحتفاظ بشعرة معاوية بينه وبين أجهزة العصر الناصرى، فالتاريخ العائلى لبيت غالى هو تاريخ مثير، خصوصًا ما يتصل بجده الراحل بطرس باشا الذى اغتيل عام 1910 على يد إبراهيم ناصف الوردانى طالب الصيدلة الذى كان يدرس فى الخارج، وعاد إلى الوطن ليجد طنينًا متواصلًا عن دور بطرس باشا فى مد امتياز قناة السويس والوجود الأجنبى فى السودان والملابسات الأليمة للجريمة البريطانية فى دنشواى، حيث كان بطرس باشا هو وزير الحقانية وقتها، وبغض النظر عن ذلك الطنين، فقد كان لبطرس باشا مآثر أخرى باعتباره واحدًا من أفضل أبناء سلك الخدمة المدنية فى الدولة المصرية، بالإضافة إلى مواقفه المعتدلة تجاه الفتنة الطائفية المحتدمة بين الصحافة الإسلامية والصحافة القبطية فى مطلع القرن العشرين، وكان قبل ذلك أهم مؤسسى جمعية التوفيق القبطية، ويذكر له أنه هو الذى هرع إلى خديو مصر محتجًا عندما عزل الأخير الشيخ البشرى من منصبه الدينى الرفيع، ولقد اتصل بى أستاذى كثيرًا فى سنوات تقاعده وطلب منى عام 2010 أن أكون المتحدث الوحيد فى احتفالية مئوية جده بطرس باشا، وأن ألقى كلمة موضوعية فى تكريم ذلك الرجل الذى ثار حوله الكثير من الجدل واختلفت عنه الآراء، وبالفعل ألقيت الكلمة الوحيدة فى ذلك الاحتفال المهيب الذى ضم صفوة كبيرة من الأقباط والمسلمين فى مدفن بطرس باشا بالكنيسة المرقسية بالعباسية والتى نقل إليها الرفات فى ثلاثينيات القرن الماضى بعد أن جرى استكمال المدفن برخامٍ مستورد من إيطاليا وبكفاءة المهندسين المصريين الأقباط، وهى كنيسة صغيرة الحجم لكنها تبدو أنيقة متميزة، خصوصًا بعد أن جاورتها الكاتدرائية المصرية الكبرى، فكان اختيار آل غالى ومريدى بطرس باشا لموقعها اختيارًا ذكيًا وموفقًا، ولقد تعددت جلساتى مع أستاذى فى سنواته الأخيرة، خصوصًا أننى الذى أقنعت الرئيس الراحل مبارك بترشيح الدكتور بطرس غالى لمنصبه فى الأمم المتحدة، بعد أن كان نجاحه فى الانتخابات الدولية أمرًا مستبعدًا بسبب حدة المنافسة وتفرد المنصب، وعندما زرته فى مكتبه بالأمم المتحدة فى نيويورك أنا وأسرتى الصغيرة أقام لنا غداءً فى مسكنه بحضور قرينته الصامدة الذكية ليا نادلر، ولم يتغيّر بطرس غالى الأستاذ الجامعى والوزير الدبلوماسى والموظف الدولى الأول فى شخصيته وأسلوب تفكيره أبدًا، ومازالت أحاديثه معى فى شهوره الأخيرة باقية عن سد النهضة وأساليب الحل وطرائق التفكير وحساسية العلاقات التاريخية بين مصر وإثيوبيا مع اهتمام خاص من جانبه بمسألة السودان، مازالت كل هذه الأحاديث تمثل لدىّ رصيدًا من الثقافة السياسية دوليًا وإقليميًا لا يغيب عن تفكيرى أبدًا.. رحم الله ابن مصر البار د. بطرس بطرس غالى الذى أشرف بأننى مشترك معه فى يوم الميلاد 14 نوفمبر!.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوارات مع بطرس غالى 2 2 حوارات مع بطرس غالى 2 2



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:11 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 07:36 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه
 العرب اليوم - أحمد سعد يعلّق على لقائه بويل سميث وابنه

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين

GMT 08:54 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد هنيدي يكشف مصير مشاركته في رمضان

GMT 23:13 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 5.5 درجة على مقياس ريختر يضرب مدينة "ريز" في إيران
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab