تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر

تاريخ ما أهمله التاريخ.. حفيد الباشا الثائر

تاريخ ما أهمله التاريخ.. حفيد الباشا الثائر

 العرب اليوم -

تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر

بقلم : مصطفى الفقي

رحل السفير «على ماهر» عن عالمنا بعد مرض طويل، منسحبًا من الحياة بذات الهدوء الذى اتصف به عبر مسيرة عمره كله، وهو ابن السيدة «سميحة أحمد ماهر»، ابنة الباشا الثائر، وعمها الآخر هو الباشا الداهية «على ماهر»، وقد اختارت لابنيها اسمى أبيها وعمها تيمنًا بقدرهما الرفيع فى السياسة المصرية الحديثة، ولقد أصبح الشقيق الأكبر لأحمد ماهر وزيرًا للخارجية، ورحل عن عالمنا منذ سنوات قليلة، وبقى «على ماهر» أيقونة فريدة فى عقد الدبلوماسية المصرية بثقافته الواسعة وخبرته الطويلة وأدبه الجم، وكانت لديه كما كان الأمر لأخيه الراحل قدرة مبهرة على الحديث باللغة الفرنسية على نحو كان محل دهشة الفرنسيين أنفسهم، وعندما كان سفيرًا فى «باريس» كان مُشرفًا لبلاده ونموذجًا رائعًا لسفراء العالم فى عاصمة النور، وأتذكر أننى زرتها عدة مرات أثناء وجوده على رأس بعثتنا هناك، وكان يصر على استقبالى ومرافقتى حتى باب الفندق كرمًا منه زائدًا وأدبًا رفيعًا اتصف به على الدوام.

وتعود علاقتى بهذا الدبلوماسى الراحل إلى سنوات التحاقى بوزارة الخارجية ودراستى بالمعهد الدبلوماسى، وكان هو بدرجة (سكرتير ثالث)، وكان يصر على توصيلى معه إلى «مصر الجديدة» بسيارته (الفولكس) الصغيرة، وقد اقترن بزميلتى الفاضلة الملحقة الدبلوماسية «شاهيناز عباس المهدى»، ابنة الباشا المحترم، شقيقة الوزير «أمين مهدى»، وزير العدالة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011، وقد شكل «على ماهر» و«شاهيناز المهدى» ثنائيًا راقيًا فى كل المحافل الدولية والمحلية، وعندما عمل مديرًا لمكتب وزير الخارجية ، وذهبت إلى الوزارة مُبعَدًا من رئاسة الجمهورية، كلف الوزير «عمرو موسى » مدير مكتبه «على ماهر» بترتيب أوضاعى الجديدة، وأصدر قراره بتعيينى أمينًا للمجلس الاستشارى للشؤون الخارجية، وأتذكر أن الراحل الكريم كان يذهب معى لانتقاء حجرة مكتبى والتأكد من كافة الترتيبات المتصلة بوضعى الجديد.

ولقد كان فارسًا نبيلًا فى كل مواقعه ومواقفه، وعندما أنهى مهمته سفيرًا فى «باريس» كانت «مؤسسة الفكر العربى»، التى أسسها الأمير «خالد الفيصل»، تبدأ خطواتها الأولى، وعرض علىَّ الأمير وقتها أن أكون أول أمين عام لتلك المؤسسة، بعد أن تحدد مقرها فى «بيروت»، على أن يكون الأمين العام مصريًا، ولكننى اعتذرت وقتها بسبب عضويتى للبرلمان المصرى، واقترح الكثيرون على الأمير- وأنا منهم- اختيار السفير اللامع «على ماهر» لهذا المنصب، الذى شغله باقتدار لسنوات ثلاث، وترك أثرًا طيبًا لدى الأمير ومجلس الأمناء والمجلس الاستشارى للمؤسسة وسائر الأعضاء، وقضى «على ماهر» تلك السنوات فى العاصمة اللبنانية، متحدثًا بالعربية والإنجليزية والفرنسية كأفضل ما يكون الحديث، تاركًا رصيدًا يذكره له الجميع مثلما يذكر له أشقاؤنا فى «تونس» فترة عمله هناك سفيرًا لمصر والانطباع الطيب الذى خلَّفه ذلك الراحل، الذى رشحته الشائعات ليكون وزيرًا للخارجية فى مطلع هذا القرن، ولكن شقيقه الأكبر قد حظى بذلك المنصب، وقد كان هو الآخر يحمل ثقافة رفيعة وكفاءة عالية، وقد خدم سفيرًا فى «البرتغال» و«بلجيكا»، ثم فى «موسكو» و«واشنطن».

إنها عائلة متميزة تركت بصماتها على العمل الدبلوماسى، ولا عجب، فالدكتور «أحمد ماهر باشا» من ثوار 1919 الذى خرج على «الوفد» عندما اختلفت آراؤه مع «النحاس باشا»، وهو الذى قال له، غداة حادث 4 فبراير 1942: (لقد جاءت حكومتك يا باشا محمولة على الدبابات البريطانية!) وقد اغتيل فى «البهو الفرعونى» بمبنى البرلمان المصرى، أما «على ماهر باشا» فهو الذى أشرف على تولية «فاروق» مقاليد الحكم، حيث كان رئيسًا للديوان الملكى، وهو أيضًا الذى حمل إليه «وثيقة التنازل» عن العرش ليوقعها فى إطار أحداث ثورة 23 يوليو 1952، فكان هو الذى أشرف على توليته وأشرف على تنحيته، وكان سياسيًا ضليعًا، كما اتهمه الإنجليز بالتعاطف مع سياسات (المحور)، وحاولوا إبعاده عن المسرح السياسى خلال سنوات الحرب العالمية الثانية.

إن عائلة «ماهر»- الأجداد والأحفاد- يمثلون دوحة متألقة فى تاريخنا السياسى والدبلوماسى، ومازالت أصداء السنوات التى قضاها السفير «على ماهر» مسؤولًا عن العلاقات الخارجية لمكتبة الإسكندرية، ثم متحدثًا رسميًا باسمها، تملأ الزمان والمكان، حيث يذكره الجميع هناك بالثناء والتقدير والعرفان، وقد نعاه مدير المكتبة، الدكتور «إسماعيل سراج الدين»، بمقال فى الصحف، غداة وفاته، كما فعل نفس الشىء السيد «عمرو موسى»، وزير الخارجية الأسبق، فقد ترك الراحل مودة واحترامًا وإعجابًا لدى كل مَن عرفه فى مسيرة حياته الدبلوماسية والثقافية، لقد تذكرت ذلك كله ونحن نقف أمام قبره عندما كان يُوارَى ثرى «مصر»، مسافرًا إلى حيث لا يعود الناس، ونحن لا نملك إلا الدعاء له بالمغفرة، وسوف نتذكره دائمًا نجمًا بارزًا فى سجل الدبلوماسية المصرية، كما سوف تتذكره أجيال الدبلوماسيين القادمة نموذجًا يُقتدى ومثالًا يُحتذى وابنًا بارًا للوطن المصرى.

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر تاريخ ما أهمله التاريخ حفيد الباشا الثائر



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab