المثقف والموظف

المثقف والموظف

المثقف والموظف

 العرب اليوم -

المثقف والموظف

بقلم : مصطفى الفقي

نظرت حولى فيمن أعرف بدءًا من مرحلة الشباب إلى مرحلة الشيخوخة، فوجدتهم نوعين، الأول هو ذلك الذى يمتلك الوعى العام الذى يجعل تفكيره شاملًا ورؤيته متكاملة ونظرته للأمور فوقية، فلا يتوه فى التفاصيل ولا يضيع فى زحام البيروقراطية، أما الثانى فهو الذى تستهويه الوظيفة ويستغرق فى الإداريات وله باع فى فهم الماليات، وضعًا فى الاعتبار أن هناك خصومة تاريخية فى بلدنا بين زهو المناصب ووهج الثقافة! ورأيت أن على الكبار أن يتنحوا جانبًا ويفسحوا المجال للأجيال الجديدة لتأخذ حظها، حتى وإن لم تكن تلك الأجيال السابقة قد حصلت على ما تستحق فى وقتها، فلكل زمان رموزه ومعاييره وظروفه، لذلك يجب أن يقنع الكبير بموقع استشارى أو منصب عام، ولكن لا يتعين عليه أبدًا أن يكون جزءًا من الإدارة المصرية، مهما كانت الظروف، لأننا نعيش فى ظل أقدم جهاز إدارى على الأرض، أقول ذلك بمناسبة صدور القوانين المنظمة للإعلام المصرى المقروء والمسموع والمرئى، وترشيحات المواقع المماثلة على مستوى الدولة، لكى أؤكد أننا نحتاج إلى مصريين أكفاء يجيدون فن الإدارة على نحو يوفر قوة الدفع ويسمح بتراكم الخبرة، وهو أمر يحتاج بالضرورة إلى حيوية وحماس مع القدرة على التعامل مع 

المواقف بسرعة وذكاء، إن موضوعيتى تتغلب على شخصيتى، لذلك عادت بى الذاكرة إلى عقدين ماضيين من الزمان أو أكثر عندما كتبت مقالًا شهيرًا فى عصر الرئيس الأسبق مبارك عن «الطابق المسحور» أو «الجيل المسروق»، فلقد قالوا لنا فى البداية إنكم مازلتم صغار السن وأمامكم المستقبل، وبعد ذلك بسنوات قليلة قالوا لنا إنكم تغادرون مرحلة الشباب وقد أصبحتم كبارًا، فدعوا الفرص لغيركم، لذلك لم يقف المصعد عند الطابق الذى يقيم فيه بعضنا لينتهى الأمر بذلك النفر إلى التركيز على الفكر والقلم والاتجاه نحو العمل العام، وهنا أقول إن المجالس ذات الطابع القومى والوطنى يمكن لها أن تضم أصحاب الخبرة، حتى ولو تقدم بهم العمر نسبيًا، مع ترك مساحة كافية للأجيال الجديدة، وقد لاحظت دائمًا أن السياسى المثقف أفضل من السياسى الموظف إذا جاز التعبير، ولا أشك أن جزءًا كبيرًا من قراءات عبدالناصر فى شبابه، خصوصًا فى التاريخ العسكرى، وكذلك الثقافة الواسعة والمتعددة للسادات فى سنوات التشريد والسجن والعمل بالصحافة، قد أضفت على كل منهما بعدًا خاصًا وروحًا متميزة فى إدارة الحكم وممارسة السلطة، وأنا أدعو إلى الدفع بالشباب إلى المواقع التى تربط بين السلطة والمسؤولية، م

ع الحاجة إلى المتابعة اليومية، تأهيلًا لهم وحقًا عليهم تجاه وطن ينتظر منهم الكثير، ونلاحظ هنا أن التفكير نوعان: تفكير (مكرو) مثلما هو الحال فى النظرة إلى الاقتصاد الفوقى، وآخر (ميكرو) مثلما هى تفاصيل بنود النشاط الاقتصادى وخططه، أقول ذلك للتأكيد على أن السياسى بطبيعته يجب أن تقف حدوده- مهما بلغ من العمر- عند حدود التخطيط العام والرؤية الشاملة، فهو يقف فى دائرة الـ(مكرو)، أما الشباب فلابد أن يتعلموا من التفاصيل أولًا، وأن يصعدوا من القاعدة إلى القمة بخبرات تنقلهم تلقائيًا من مرحلة الـ(ميكرو) إلى مرحلة الـ(مكرو)، ولقد لاحظت دائمًا أن الأمر قد يختلف عن ذلك، فترى أحيانًا فى مناصب عليا مَن لم يتجاوزوا مرحلة الـ(ميكرو)، ونرى مغمورين عند السفح، رغم امتلاكهم النظرة الـ(مكرو)، وذلك خلل حقيقى يدعو إلى مراجعة كثير من المواقف والمواقع والمناصب، حتى لا نرى كبيرًا يفكر بطريقة جزئية وصغيرًا يفكر بطريقة شاملة! وأنا ممن يؤمنون بأهمية (فقه الأولويات) وترتيب العقل وجدولة الذهن، فهى أمور لازمة لكى يكون القرار رشيدًا وتصبح الرؤية واضحة، لأن المناخ الضبابى والبيئة التى لا تعرف الجو الصحى ولا الفكر السوى هى أمور تعوق الأمم وتعرقل ا

لشعوب، ولقد عشت فى الهند سنوات فى مستهل شبابى، وتعلمت منهم أهمية الالتزام بالخطة طويلة المدى، إذ مازال الهنود يمضون وراء قرارات المجلس الأعلى للتخطيط، الذى اقترن بعصر «جواهر لال نهرو»، فى مطلع خمسينيات القرن الماضى، كما أن لديهم ميزة حرمنا الله منها، وهى أنهم يستكملون ما يبدأون ولا يتوقفون عند منتصف الطريق، ولنتذكر أننا فى مصر تحدثنا عن الدولة النووية منذ أيام الوزير صلاح هدايت فى العصر الناصرى، ومررنا أيضًا على دولة الفضاء، وتغنينا كثيرًا بصاروخين، هما القاهر والظافر، ثم تحدثنا عن غزو الصحراء والثورة الخضراء، ولكن الذى حدث أن الصحراء مازالت تنتظر مَن يزرعها، بينما فقدت الدلتا مئات الآلاف من الأفدنة المزروعة بالتعديات والتجاوزات وغرس الحوائط الأسمنتية قبيحة المنظر، والتى تفتقد إلى الطراز المحدد أو الذوق العام، كما تحدثنا عن الثورة الإدارية لنسف الروتين، فإذا هو يزداد تعقيدًا والجهاز الإدارى يزداد تضخمًا والمصالح تبقى راكدة فى مكانها، وذلك كله تراكم عقود طويلة وإفراز عقل مرتبك لم يلتزم منذ البداية بالقواعد العلمية أو التفكير السليم، فكانت النتيجة ما ورثناه وما ظللنا نعانيه.

إننى أقول صراحةً إن نموذج الموظف المثقف هو ذلك المطلوب لكى يقود الوحدات الإدارية والهيئات الحكومية فى شرائح عمرية أقرب إلى الشباب ويتجه بها نحو الدولة العصرية، أما الموظف البحت، الذى لا يرى أبعد من موضع قدميه، فهو كارثة حقيقية على مستقبل الوطن ومصالح أبنائه.. دعونا أيها السادة نختار الأفضل للموقع الأنسب، فمصر عانت كثيرًا ونريدها أن تعود- كما يردد رئيسها- «أم الدنيا»!

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

GMT 03:57 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

حامد ربيع.. أستاذ علم الحضارات

GMT 04:59 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اعترافات ومراجعات (80).. اليهود وكورت فالدهايم

GMT 03:37 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

مجمع اللغة العربية.. الأزمة والحل

GMT 02:51 2024 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

اعترافات ومراجعات (62) الاكتئاب سلعة إسرائيلية

GMT 03:29 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

اعترافات ومراجعات (59) من أحمد حسنين إلى أسامة الباز

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المثقف والموظف المثقف والموظف



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab